تكلم معه وكأنه صديق
تأليف
نادر عبدالله
(تأليف)
السجن البولوني في حمص، محطة عبور تقليدية نحو تدمر، حيث يتم تبديل سيارات الشرطة العسكرية وأفرادها قبل مواصلة الطريق. بدا المكان كأن الزمن قد سحب منه كل شيء إلا رطوبته وتحلله. سجن قديم، متهالك، تتسلل من زواياه بقايا مياه لزجة، تنساب من أروقة خلفية مظلمة، لتتجمع في شقوق الأرض التي بالكاد يُمكن تمييز أنها كانت يومًا ما مصبوبة بالإسمنت. كل شيء فيه يبدو مغطى بطبقة من الغبار والعزلة.
لاحقًا، علمت أن هذا المكان كان إسطبلًا للإنكشارية العثمانية، بينما روى آخرون أنه كان خانًا وسجنًا إبّان العهد الإقطاعي في سوريا. انتابني شعور بتوحش داخلي مباغت، كأن هذا المكان لم يعرف يومًا حنانًا إنسانيًا، بل تأسس من لُبّ القسوة، وظل يتغذى منها عبر الزمن.
كنت أسير في الطابور خلف أحمد، الذي تعرّفت إليه في سيارة "زيل" العسكرية، ذات النوافذ المشبكة بالأسلاك، التي أقلّتنا من نظارة الشرطة العسكرية في دمشق إلى هنا. أحمد لم يكن يعرف لماذا أوقفوه، إذ عُرض على محكمة أمن الدولة دون أن يُوجَّه إليه اتهام واضح. أُخذ مع من اشتُبه بانتمائهم لمدينة حماة، قبيل أن يُطبق الجيش الحصار حولها ويشرع في اقتحامها. أخبرهم بأنه عضو عامل في حزب البعث الحاكم، لكنهم لم يصغوا له، ولم يتركوه.