رفاهية الوحدة
نبذة عن الكتاب
ممّا لا شكَّ فيه أن اللقاء الأول دائماً كان يشكّلُ حجر الأساس لأيّ مفهومٍ بشريٍّ حولنا، فالقصص الجميلة لا تبدأ بأساساتٍ متداعية آيلةٍ إلى السقوط، بل تستدعي، في البدايات، سعيَ أحدنا على الأقلّ لوضعِ أعمدةٍ متينةٍ صلبةٍ تستطيع حملَ ثقلِ تفاصيل القصّة لجعلها فريدة وغير مكرّرة، وهنا تحديداً يكمنُ لبُّ المشكلة بيني وبين هذا العالم، حسب اعتقادي، فاختلال عناصر قصتنا الرديئة ليس وليد اللحظة، فالانطباع الأول الموحشُ والصادم لكلينا لعبَ دوره المقيت لثلاثين سنةٍ كاملة في توسيع الفجوةِ بيننا، التي تبدو أعمقَ عند هذه اللحظة تماماً، حينما أقفُ على حافة الشرفة في غرفتي المطلّة على أبنيةٍ متصدّعةٍ، برفقةِ أختٍ متخفّيةٍ اعتادت أن تعلّقَ جسدها على كتفيّ وظهري وعنقي، كلّ ليلة. اللحظات الأولى كانت الأغرب والأكثر رعباً على الإطلاق، إذ إنّ ذاكرتي، على نحوٍ غريب، مازالت تحتفظ بتفاصيلِ مجيئي المفاجئ الخالي من أيّ تمهيدٍ أو مقدمة؛ فتاةٌ تحملني بيدين ملطّختين بالدماء، ورجلٌ غريبُ الأطوار يقرصُ ظهري كي أبكي، غير أنّ الجميع في هذا المكان المخيف كانوا يرتدون الأبيض حسب ما رأته عيناي نصف المُغلقتين، وعلى سريرٍ عتيقٍ كانت امرأةٌ ممدّدةً دون حراك تئنّ وجعاً يخرجُ منها حبلٌ مدمّى، ولم أكن أدرك أين ينتهي الحبل قبل أن يمسكَ الرجل غريب الأطوار بمقصّه الحاد ويقطعه دون شفقة مسبّباً صاعقةً من الألم قسمت جسدنا - المرأة وأنا - لجسدين اثنين، ورسمت ندبةً دائمةً في بطني مازلت أحملها إلى هذه اللحظة.التصنيف
عن الطبعة
- نشر سنة 2023
- 88 صفحة
- [ردمك 13] 978-9933-38-516-3
- دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع
تحميل وقراءة الكتاب على تطبيق أبجد
تحميل الكتاب
15 مشاركة