حبل الغسيل: المثقف الحصان والمثقف الحمار

نبذة عن الكتاب

دائمًا ما يُطالَب المثقف بموقف، من معظم القضايا أحيانًا، وتصبح هذه المطالبة ملحة في القضايا الكبرى خصوصًا، أو تلك التي تهم من يطالبه بالموقف. هذه الرغبة تنبع في الغالب من حسن الظن بالمثقف وبأهمية موقفه، وأحيانًا من شعور خفي بأن الموقف المحتمل للمثقف لا بد أن يتطابق مع موقف من يطالبه به وبالقدر نفسه من الحماس، وإلا فإن موقفه ليس ضروريًا، بل ليس أخلاقيًا لأنه سيتحول إلا خائن أو جبان على الفور. هل من الضروري أن يكون للمثقف موقف؟ لا بد للمثقف من موقف بطبيعة الحال، وإلا فهو ليس مثقفًا بالأساس، لكن ينبغي التفريق بين أمرين، الموقف من حيث هو كموقف، وطريقة التعبير عنه، وهما أمران مختلفان تمامًا وإن كانا مرتبطين. فالأخير وإن كان مجرد وسيلة فهو الذي يصنع صورة المثقف في العموم ويصنع المواقف منه أيضًا. ليس ثمة طريقة أخرى لتجنب هذا، وهي ضريبة يدفعها المثقف بطيب خاطر أو رغمًا عنه. إن مثقفًا مثل (إيريك آرثر بلير) صاحب الاسم المستعار الأشهر (جورج أورويل) عانى من مواقفه كمثقف ومواقف الآخرين منه في الآن نفسه رغم الغموض الذي لف حياته الشخصية، فقد أطلق عليه أنداده لقب "جورج الحمار" في إشارة إلى شخصية الحمار "بنيامين" في روايته الشهيرة "مزرعة الحيوان" التي جسدت دور المثقف السلبي، الذي يتحرك بعد فوات الأوان، وقد رأى أصدقاء أورويل نوعًا من التطابق بين الشخصية وكاتبها، لكن من الواضح أن هذه المقارنة لم تكن أخلاقية.