الكتاب الرابع والعشرون من العام 2025
صناعة الوحوش: كيف يتم تجريد البشر من انسانيتهم
How To Making Monster Humans of Their Humanity
ديفيد لي سميث David Lee Smith
ترجمة سلمى الحافي
تطبيق ابجد
لم أكن اقبل أنهم بشر. أرى طفلاً يبتسم لي ومع ذلك أقتله». هكذا شرحَ رجلٌ من قبيلة الهوتو ما شعر به عندما ذبحَ شخصاً من قبيلة التوتسي في رواندا عامَ 1994. هذه التصريحات صادمة، ومع ذلك نعترف بها ونسمع أصداءها في الروايات عن الإبادات الجماعية والمجازر عبر التاريخ. فكيف يمكن لبعض الناس الاعتقاد بأن أعداءهم وحوش وبالتالي يسهل قتلهم؟
يقدّم ديفيد سميث قراءةً مؤثرةً في الجذور الفلسفية والنفسية للتجريد من الإنسانية، ويستكشف معناه وكيف ولماذا نمارسه. إن التجريد من الإنسانية متجذر بعمق في نفوسنا. ولأننا جميعاً بشر، نحن عرضة للتلاعب من قبل أولئك الذين يتاجرون في سياسات الشيطان
""إن ما يحدث عندما نجرد الآخرين من إنسانيتهم في الواقع هو أمر أكثر غرابةً وسُميّةً. أعتقد الآن أننا عندما نجرّد الآخرين من إنسانيتهم، فإنّنا نراهم على أنهم بشر ودون البشر على حدّ سواء – أي بشر بالكامل ودون بشر بالكامل.
التوتسي (بالإنجليزية: Tutsi) أحد ثلاث شعوب تعيش في منطقة البحيرات العظمى الأفريقية وخصوصاً في رواندا وبوروندي، أما الشعبان الآخران فهما الهوتو والتوا. ويبلغ تعداد شعب التوتسي 2.5 مليون نسمة معظمهم كاثوليك وأقلية مسلمة، حيث تعرض شعب التوتسي الى أكبر إبادة جماعية عرفها التاريخ بعد إبادة شعب البوسنة والهرسك بين أبريل/ نيسان ويونيو/حزيران 1994، قُتل ما يقدر بنحو 800 ألف شخص رواندي. وكان معظم القتلى من قبيلة التوتسي، فيما كان معظم الذين ارتكبوا أعمال العنف من قبيلة الهوتو. وتوصف المذابح التي شهدتها رواندا في ذلك الوقت بأنها "أكبر إبادة جماعية في إفريقيا في العصر الحديث". واندلعت الإبادة الجماعية إثر وفاة الرئيس الرواندي جوفينال هابياريمانا، وهو من الهوتو، عندما أُسقطت طائرته فوق مطار كيغالي في 6 أبريل/ نيسان 1994.
تعريف الإبادة: تعرف الابادة بانها القتل المتعمد الجماعي لمجموعة كاملة من الأشخاص، وهي من ضمن الجرائم ضد الإنسانية. أما الإبادة الجماعية فيمكن تعريفها بأنها الفظاعات التي ترتكب أثناء العدوان، على أساس عرقي أو ديني. ويمكن تعريفها بحصر عناصرها، وهو ما حاولت المادة الثانية من اتفاقية 1948 الخاصة بمنع جريمة الإبادة الجماعية أن تقوم به.
قال ممدوح عدوان في كتابه حيونة الانسان كان لدى الإنسان حلم جميل حول نفسه، وكان يصبو إلى السمو على شرطه الإنساني، ولكن تتالي الأحوال فتح في هذا الحلم جرحا، وبدأ الحلم ينزف ويضمحل، وراح يتخذ -مع ضموره- أشكالا وتسميات، وبين حين وآخر يتنبه الإنسان إلى خسارته الفاجعة هذه، فيدرك أنه صار يجهد لمنع نفسه من الانحدار عن مستواه الإنساني إلى مستوى الحيوان، وحين يقاوم تتخذ مقاومته نوعا من الجنون.
إنّ واقع العالم اليوم يعكس مأساة متجددة لتاريخ يعيد نفسه، من كل الحروب والابادات مما يذكر بقول أينشتاين: "من الغباء أن تكرر الشيء ذاته بنفس الخطوات وبنفس الطريقة وتنتظر نتيجة مختلفة"، من الصعب الحديث عن واقع مختلف ضمن كل الابادات التي حصلت في التاريخ الحديث من الحرب الأولى – الثانية - يومنا هذا ونحن نعيش أكبر إبادة حصلت بالتاريخ.
الكتاب
يتكون الكتاب من 700 صفحة ضمن تطبيق ابجد للكتب الالكترونية وهو من منشورات دار الساقي 2025 وللأسف لم أجد محتوى الكتاب او عنوانه باللغة الإنكليزية وغير متوفر ورقي بالمكتبات، ويتكون من 13 فصلا يتحدث فيها الكاتب بطريقة فلسفية عن كيفية صناعة الوحوش والابادات متخذا من إبادة شعب التوتسي مثلا.
• ما التجريد من الإنسانية ممكن ان تحول الإنسان بعد دخوله إلى زنزانة موصده الأبواب إلى شيء آخر غير الإنسان، ويتجلى عمق هذا العنف الرمزي في جعل السجين ذليلًا خانعًا ينزل من مرتبة الإنسان إلى ما هو أدنى ولعل هذه التجربة بالنسبة لمنفذها ليست إلا مهمة متكاملة مع مهمات أخرى، فمنفذ المجزرة يجد نفسه حلقة ضمن سلسلة من الحلقات المتتالية المتكاملة، التي تتركز على توزيع المهام والمسؤوليات، على أن يتوفر عنصر الأنانية والتغاضي عما سيفعله الآخرون، تقتيلًا لأطفال أو تعذيبًا لنساء أو شنقًا لشباب، لا يهمه الأمر، وبذلك يسكت صوت النفس وتُعفى من المسؤولية
• التجريد من الإنسانية قضية حقيقية: نعم هي قضية وجدت منذ القدم بسبب الدم الأول فعندما قتل قابيل هابيل بسبب امرأة او شيء بسيط هو جرده من حق واختيار، هو إنكار للإنسانية الكاملة للآخرين والقسوة والمعاناة التي تصاحبها. يشير التعريف العملي إليها على أنها مشاهدة الآخرين ومعاملتهم كما لو أنهم يفتقرون إلى القدرات العقلية التي تُنسب عادةً إلى البشر. في هذا التعريف، كل فعل أو فكر يعتبر الشخص على أنه "أقل من" إنسان هو تجريد من إنسانيته وهذا لا يعني ان الشخص الواقف امامك شخص غبي او به عيب هي فقط النظرة الجنونية
لذلك نجد الكاتب وضح هذه النقطة بعمق أكبر
• الدم: في الحروب تجد الدم يراق اسهل شيء هو إراقة الدم تحدث الكاتب هنا عن عمليات القتل واسبابه متخذا من الفرقة الثامنة في الجيش الألماني خلال الحرب العالمية مثلا ومن خلال شهادات حية حقيقية من شعب التوتسي فنحن بحاجة إلى أن يقوم المفكرون المسلمون والمراكز البحثية المعنية بالمشروع الحضاري ، بالعمل على تفكيك وتحليل الخطاب والصورة التي يتم تصديرها على أنها هي العنف والدم"، والتأكيد على صناعة التوحش الحالية في أمتنا إنما هي صناعة غربية، وأن قطع الرؤوس وتدمير المدن، إنما هو تراث غربي أصيل، والصور والوثائق والوقائع التاريخية كلها تؤكد أن هذه الأمور إنما هي صنيعة من يريدون نهب الوطن .
• اختلافات جوهرية ان مدارس وأفكار الحداثة وما بعد الحداثة، والتي تتضمن تفكيك النص حتى المقدس منه، مما أوصل الحضارة الإنسانية إلى حالة من الشك والسيولة التي تكلم عنها زيجموند بأومان في سلسلته الشهيرة، "الحداثة السائلة" و"الشر السائل" وأخواتهما -قادت إلى فوضى مكَّنت النازيين الجدد واليمين الشعوبي المتطرف الذي قاد بسياساته العالم إلى الحرب العالمية الثانية، من العودة كقوى سياسية منتخبة في أوروبا مجددً وقادت الى التدمير وابتداع الفتن والحروب من خلال العنف
• منطق العرق: ان اخذنا هنا افريقيا وأوروبا مثلا، نجد الحديث عن "النقاء العرقي" شائعا بالأخص بين القوميين البيض، الذين يخرجون إلى الشوارع بشعارات مثل "لن تستطيعوا استبدالنا". ويعتقد هؤلاء القوميون بالتسلسل الهرمي العرقي الذي وضعه "صامويل مورتون" واستُخدم لتسويغ استعباد الشعب الافريقي أوائل القرن العشرين، وقتلهم بل وشن الحروب عليهم من اجل استغلال واستعباد ثرواتهم.
• نظام التسلسل الهرمي هنا هو نظام الجريمة وغسل الادمغة وفي الإبادات هو سياسة الدولة يتخذ من اعلى المستويات
• كون المرء إنساناً يعني معرفته الحدود القصوى التي يمكن أن يبلغها الجشع، والبخل، والأحكام المسبقة، والقسوة وهذا هو الفساد الأخلاقي، أجل: إنه شيء لا وجود له هناك إنسان بمعنى آخر، معنى معياري أخلاقي ومعنوي هو الذي يعنيه الناس دائما حينما يتساءلون عن الإنسان. هنا الذي يجعل الإنسان إنسانا ليس هو الطبيعة أو الواقع، وإنما الإنسان بإرادته. فالإنسانية بهذا المعنى ليست قدرا، وإنما هي خيارٌ وإرادة أن يكون الإنسان إنسانا أو لا يكون.
• الأيدلوجية: أن أهداف المستعمرين القديمة في البلاد التي تقع عليها الحروب او تتعرض للإبادة تتمثل بمثلث الأسواق، المواد الخام، طرق التجارة، قبل أن يُضاف إليها ضلع رابع، وهو الامن وبقاؤه كعامل حجز وتقسيم بين شطرَيْ الأمة الكبير ينفي هذا الإطار، تم دمج وسائط كثيرة، وعلى رأسها وسائل التواصل الاجتماعي، في هذه الحرب؛ من أجل تكريس الصورة التي رسمها المستعمر للبلد المحتل لعمل غطاء مهم لكافة التصرفات اللاأخلاقية المصاحبة وإظهار المستعمر بمظهر المنقذ لا المحتل.
• التجريد من الإنسانية بوصفة أيدلوجية: وفي حقيقة الأمر فإنه بمراجعة مختلف المفردات، المكتوبة والمصوَّرة التي تقوم وسائل الإعلام والقوة المستعمرة المختلفة في دول التحالف الغربي بنشرها، باعتبار أنها هي صورة البلد عندما يحمل السلاح -سوف يجدها قادمة من تاريخهم هم، مما يشي بعقلية غربية بامتياز وراء كل هذا الذي يجري باسم ديننا الحنيف. فمشاهد تخريب المدن وتحطيم الآثار هي صورة طبق الأصل من ممارسة شائعة للغاية لدى الدول والإمبراطوريات الأوروبية عندما كانت تهزم بعضها البعض، منذ ما قبل الميلاد، وحالة طروادة تُعتبر نموذجًا غاية في الوضوح لذلك، لكن ان ذهبنا الى الفاتحون المسلمون لم يعاملوا بمثل هذه الممارسات قطّ في أيّ حرب لهم عبر تاريخ الدولة الإسلامية على اختلاف مسمياتها.
• الازدواجية: بل إنه حتى جوهر وصف الشعوب حسب العرق في الأدبيات الغربية الآن، نجد أنها ذات الأوصاف التي كانوا يطلقونها على اليهود عندما كانوا هم الأعداء في أوروبا، في القرون التي تلت اعتناق الإمبراطورية الرومانية للمسيحية، وحتى القرن العشرين، عندما تم تصدير الملف اليهودي بالكامل إلى كل البلدان التي قامت عليها الحروب، وحرب الإبادة الحاصلة الان خير دليل.
• صناعة الوحوش والكلمات الأخيرة: كي تَنتج الإبادة يجب أن يكون منفّذو الإباِدة على اقتناع تامّ بصحّة عملهم، وأنهم يتّصفون بالامتياز العنصري والإنساني عن غيرهم وأن يكون أمام المنفّذين مجموعة تستحقّ الإبادة من وجهة نظرهم. وأن تتوفّر الأسلحة القادرة على التنفيذ بالسرعة المطلوبة. وتتمّ العملية وسط جوّ سياسي ومعنوي خاصّ لا يكترث بعملية الإبادة، وإنما يقابل هذه العملية بالتفرّج عليها.