تأتي مجموعة “اقفل المحضر في ساعته وتاريخه” للكاتبة وئام أبو شادي كأثرٍ أدبيٍّ نابض، يتجاوز الحكي التقليدي ليغور في تضاريس النفس البشرية، ويرسم بقلمٍ واعٍ خارطةً للوجع الإنساني كما يُعاش، لا كما يُروى.
ببراعةٍ سردية مدهشة وصدق فنيّ لا يخلو من قسوة، تفتح الكاتبة ملفاتًا منسية من الحياة اليومية، لكنها ملفات لا تُغلق كما توحي العبارة الأرشيفية التي عنونت بها المجموعة، بل تتركها مشرعةً على الأسئلة، والندوب، والاحتمالات المؤجلة. العنوان نفسه، المأخوذ من اللغة الرسمية الباردة، يصبح بعد القراءة مفارقة مؤلمة، إذ لا شيء يُقفل في هذه النصوص دون أن يترك صداه في قلب القارئ.
في هذه القصص، لا نقرأ عن شخصيات فحسب، بل نواجه مرآةً عارية للإنسان في هشاشته، في فقره الروحي، في صراعه مع السلطة، مع العائلة، مع الحب، مع السقوط والانبعاث.
اللغة في المجموعة رشيقة، مباشرة حين يلزم، ومجازية حين يستدعي النص قفزة تأملية. لا تقع الكاتبة في فخ التنميق أو الإبهام، بل تمسك بجوهر التجربة وتقدّمه بقالب سردي يحمل بصمتها الخاصة.
تُحسن وئام أبو شادي في هذه المجموعة الانتقال بين الطبقات الاجتماعية، والانزلاق الحادّ من العادي إلى الكارثي، ومن الحميمي إلى العام، فتغدو قصصها وثائق روحية، لا مجرد محاضر مسجلة.
وإن كانت الحكايات متجذّرة في واقع ملموس، إلا أنها تمتد بنعومة إلى رؤية فلسفية متأملة، تُشعرك أن الكاتبة لا تروي ما جرى فحسب، بل تتساءل من خلاله: ما الذي يجعلنا نحتمل الحياة؟
في “اقفل المحضر في ساعته وتاريخه”، تثبت وئام أبو شادي أن القصة القصيرة لا تقل شأنًا عن أي نوع أدبي آخر، بل إنها، حين تُكتب بهذه المهارة وهذا الصدق، تغدو ومضة تنير مساحة كاملة من التجربة البشرية.
إنها مجموعة تُقرأ بالقلب، وتبقى طويلاً في الذاكرة