المؤلفون > مجاهد البوسيفي > اقتباسات مجاهد البوسيفي

اقتباسات مجاهد البوسيفي

اقتباسات ومقتطفات من مؤلفات مجاهد البوسيفي .استمتع بقراءتها أو أضف اقتباساتك المفضّلة.

مجاهد البوسيفي

عدل معلومات المؤلف لتغيير تاريخ الميلاد أو البلد

اقتباسات

كن أول من يضيف اقتباس

  • طوال عهده كان الحنين للماضي حاضرًا بشكل قوى، وسخّر ميزانيات ضخمة بالفعل من أجل «بدونة» البلاد على شكل الطبعة الرومانسية التي اختارها هو شخصيًا للعيش في حنين ذاتي، للتعويض عن جرح دفين لم يبرأ بعد، وسيبقى النجع الذي شيّده قرب مسقطه، غير بعيد عن مسقط رأسه في بادية سرت، من أماكن إقامته المفضلة، حيث يستقبل فيه ضيوفه، ويمارس عمله الثوري، هناك بنى «نجعًا» على نمط سالف الأيام، حيث احتلت خيمة الشيخ «العقيد» الصدر، بينما انتظمت بقية بيوت الخدمة حوله على شكل حدوة حصان،(115)لم يترك مناسبة إلا وأكد فيها على «بدوية» ثورته، من حيث القيم والمبادئ ونظم الحياة، واعتبر دائمًا أن كل ما نتج عنه من أدبيات ومواقف ودعوات للتغيير إنما هو مساهمة الصحراء في الحضارة الحديثة، ومساعدة لها في الوصول للفردوس، وامتداد لذلك، لم يكن يشعر بالود تجاه المدن والعمران، وظل دائمًا مستغربًا من هذا المكون المعماري - الاجتماعي، الذي يتساكن فيه الناس دون أي معرفة سابقة ببعض، يسيرون في تلك الشوارع دون أن يتوقفوا ويتحدثوا مع بعض، وخصص ما يكفي من كتاباته لهجائها والسخرية منها، والحط من قدر ثقافتها، كانت الثورة ترفع شعارات التقدم والعصر، بينما كان كل شيء يتغنى بالماضي التليد، الخطب والأغاني والصحف، الفنون والأبحاث، وكل منبر متاح من مهرجانات ومناسبات اجتماعية وأعياد، لم تكن صور وأناشيد البدو وخيلهم وجِمالهم ونجوعهم تغيب يومًا عن التلفزيون، الذي استمر في ضخ ثقافة المحافظة على التقاليد والعادات «البدوية»، والفخر بالعِرْق باسم الأصالة، واتُخِذت تلك الصورة من الفلكلور الرديء مرجعًا ثقافيًا يعبّر عن روح البلد، وحُثَّ المواطنون على امتلاك تلك الصفات التي اعتبرتها الثورة من الأساسيات للانتماء للمحيط الذي صنعتْه، وعندما تولى «ابن عم» العقيد «أحمد إبراهيم» أمانة «وزارة» التعليم أحضر معه لافتة كبيرة ثبّتها على مدخل وزارته، لتبقى هناك لعقود تحمل أحد الشعارات المبكرة للثورة يقول: «انتصرت الخيمة على القصر، وكسرت عصا الراعي تاج الملك»، ومع الأيام صارت الخيمة نفسها موضوعًا شهيًا للإعلام، وتم إحياء هذه الصناعة بعد استخدام العقيد لمهاراته في التسويق والإشهار، إذ شرع كثيرون في نصب خيمهم اقتداء به، أو لتوضيح مكانتهم في النظام الجديد، وأصبحت بمثابة المكتب الرسمي الجديد للنظام، حيث كانت تُتخذ القرارات وتُحدد المصائر في مجلس العقيد، بينما يقوم أحد القيادات الأمنية الثورية بإعداد الشاي على النار في الطرف، تماما كما كان يحدث الأمر من قبل في خيمة الشيخ، لكن تلك الخيمة لم تكن فقط مظهرًا طريفًا يحتفل به الإعلام ورواة القصص، ولكنها كانت في الدولة الجديدة أسلوبًا إداريًا للعمل، يعتمد على التوجيهات الشفوية بدل القرارات المكتوبة، والأقرباء والمؤدلجين بدل الأكفاء من الأفراد

  • مرة، في ليلة مطيرة، في الثمانينيات، استدعى مجموعة من كتاب الستينيات إلى خيمته بقلعة باب العزيزية العسكرية، لمنادمة من نوع خاص، كان القائد ينتظرهم في الداخل على مقربة من النار التي يحب إشعالها أينما ذهب، كان عديله ورجله الأمني الأول «عبدالله السنوسي» يحرك في أعوادها عندما دخلوا على قائدهم متوجسين، رفع السنوسي رأسه من على النار وشيعه نحوهم وهو يسأل قائده، إذا ما كان عليه أن يجلب «السوط»، وبعد هذا التمهيد المريع، جلسوا لمنادمة العقيد، الذي ابدى رغبة في سماع شعر علي صدقي عبد القادر،(95)الذي كان حاضرًا، مما استدعي ذهابه لبيته لإحضار أوراق قصائده، تحت المطر، وما إن بدأ قراءة الشعر، في تلك الأجواء، حتى بدت ضحكات مخنوقة تُسمع من بعض الحاضرين، ليتبين أن كل ذلك العناء الذي تكلفه الشاعر الكبير، كان مجرد فقرة صغيرة للترفيه عن القائد بعد يوم «ثوري» طويل، لقد كان المطلوب هو التسلي بكلام الشاعر، الذي يعتبرونه نوعًا من الطلاسم المُضحكة التي يمكن النسج على منوالها للأبد، وفي نهاية تلك الجلسة المُخيفة، وربما بسبب ما أضافته قصائد صدقي من تخفف و»انبساط»، تشجع أحد «الضيوف» ورجا مستضيفه في باب خيمته، أن «تُزيل عنا هذا السيف»، أي تهمة الشيوعية، وسانده رفاقه بالتمني عليه أن يعاملهم بعرف من دخل الثورة فهو آمن، فصحح لهم العقيد بأن «من دخل الخيمة فهو آمن»، وهي من أبلغ العبارات التي يصف فيها الحال كما هو، جملة حددت بدقة الحوزة التي ينبغي الدخول لها لمن أراد النجاة، بيت أبوسفيان الجديد.

  • وبدا من الصعب تصديق أن هذه البلاد كانت من عشر سنوات فقط، تملك قطاعًا خاصًا مجتهدًا، صحافة بسقف ومحتوى واعدَين، وحركة فنون تملك هوية خاصة وحضورًا، كل هذا يجره مستوى نمو يكاد لا يصدق وصل إلى سقف 14%. لكن العقيد اختار في مقابل كل هذا طريقًا مختلفًا ومضادًا، طريق التحول «من الدولة إلى الثورة»، في رحلة معاكسة لمسار التاريخ، لمدة عقد كامل، منذ السنتين الأخيرتين من السبعينيات، استمر جسد الدولة في التفتت، وكل يوم يصبح العبور لليوم التالي أكثر صعوبة من الذي مضى. كان النقل العام قد أصبح متوقفًا بالكامل، والعمل الخاص جريمة تحاكم عليها في التلفزيون، والصحافة بدعة برجوازية، وأسواق البلد ومتاجره مجرد اطلال، حيث تمضي في شوارع كاملة بين صفين من الدكاكين المقفلة في وسط المدن، وتحولت البيوت إلى قلاع صغيرة محصنة بشبابيك وأبواب حديد بشعة المنظر من أجل توفير الحماية الخاصة، التي بدت تغيب وسط الشعارات الكبرى بالتدريج، ولتكتمل صورة الوحشة التي عمت آنذاك. في تلك البيئة الجدباء، وحدها كانت اللجان الثورية، من يحتفل كل يوم بهذه النعم.

  • منتصف الثمانينيات توجهت مجموعة منهم إلى السجل العقاري، وقامت بحرق وثائق تخص أكثر من ثمانين ألف بيت كانت قد تمت مصادرتها ومنحها لساكنين آخرين، وخرجت الصحف الثورية في اليوم التالي، بعناوين عريضة، تمدح زحف القوى الثورية على مقر السجل العقاري و»حرق أوراقه الصفراء»، وفيما بعد أنشأت الحركة تجمعا آخرَ على مستوى عالمي أطلقوا عليه اسمًا أخرَ طويلًا هو «المثابة العالمية لمقاومة الإمبريالية والعنصرية والفاشية».

  • ‫ أول لقاء معلن بين الرجلين كان في الشهر الخامس 1970م في ندوة (الفكر الثوري) التي دعا إليها العقيد النخبة الليبية في السياسة والثقافة، وحرص أن تكون النقاشات مفتوحة وعلنية ولا تخضع لمدة محددة أو سقف. كان الحضور جيدًا ومتنوعًا، وعلى قدر من الصراحة والانفتاح، حيث تم الكلام عن حزمة متنوعة من الأفكار تدور حول شكل جديد لتضامن القوى العاملة والوحدة والديمقراطية والحكم. كان العقيد الحاضر يناقش أحيانًا وأحيانًا يكتفي بتسجيل النقاط في مذكرته الشخصية، وكان النيهوم قد تلقى الدعوة من عضو بارز بالقيادة هو مصطفى الخرّوبي، وجاء من هلسنكي حيث يعمل كأستاذ مساعد ويعيش كزوج وأب، ومنذ أن دخل قاعة مسرح الكشاف حيث مكان انعقاد النقاش، تحول إلى نجم الأيام العشرة التي استغرقتها تلك الندوة الماراثونية التي تابعها الناس في كل مكان عبر الجرائد والإذاعة والتلفزيون باهتمام كبير، مصحوبًا بأمل حقيقي للحاضرين بنجاحها في رسم خريطة طريق لدولة الثورة التي وعدت بالمساواة والحرية والرخاء

1