انقطاعات الموت > مراجعات رواية انقطاعات الموت > مراجعة Rudina K Yasin

انقطاعات الموت - جوزيه ساراماجو, صالح علماني
أبلغوني عند توفره

انقطاعات الموت

تأليف (تأليف) (ترجمة) 3.7
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

رقم اثنين واربعون/ 2024

انقطاعات الموت

جوزيه ساراماغو

ترجمة صالح علماني

""الموت لايرُد ، ليس لإنه لايريد الرد ، وإنما لإنه لايعرف ما الذى يقوله فى مواجهة أشد ألم إنسانى.

""لا يمكننا مقاومة تذكُّر أن الموت وحده، وبحد ذاته، ودون مساعدة خارجية، قد قتل على الدوام أقل مما يقتل الإنسان"

""ﻷن كل شيء سيكون مباحاً إذا كانت الكائنات البشرية لا تموت. وهل سيكون ذلك سيئاً؟ سأل الفيلسوف اﻷكبر سناً، بالقدر نفسه الذي لا يكون مباحاً فيه أي شيء""

"" ان التفلسف هو تعلم الموت""

هذه الرواية تكاد تكون ملحمة فى مديح الموت و"ساراماجو" الذى يكتب بعدد صفحات 238 صفحة دون ضغينة أو كراهية حتى أنه يدعونا إلى محبة الموت يضعنا حسه الفكاهى وسخريته اللاذعة منذ بداية الصفحات أمام مفاجأة فانتازية صاعقة:" فى اليوم التالى لم يمت أحد"، لقد انقطع الموت فى دولة صغيرة -لا اسم لها- وأصبح سكانها لا يموتون ويبقى مريضهم على حاله، وقد يبدو الأمر رائعا في البداية لمن يتوقون إلى الخلود ولكن سرعان ما يوضح "ساراماجو" أنها كارثة تهدد البشرية، فالحكومة لا تستطيع التعامل مع هذا الموقف غير المألوف، ولقد تعثر نظام المعاشات التقاعدية ولم تعد المستشفيات ودور المسنين تفي بالغرض، وأفلست مؤسسات تجهيز الموتى ودفنهم. لقد أثار غياب الموت فوضى ليس لها مثيل ولم تعرفها المجتمعات من قبل وعلى البشرية أن تقبل به كوجه العملة الآخر للحياة، فالمرء لا يستطيع العيش بدون الموت، مع أنه يظهر كتناقض ظاهري للحياة ولكننا في الحقيقة يجب أن نموت لكي تستمر الحياة.

فكرة الرواية : مواجهة االزمن او الفلسفة الموجعة ، الازمات القاتلة او الحرب القاتلة كحرب غزة حيث الموت مستمر بحصد الابرياء والزمن توقف في يوم معين وتوقفت معه الحياة . ففي دولة كاثوليكية صغيرة.يقرر الموت ان يوقف نشاطه في أول العام.يحتفل السكان المحليون في البداية ويهللون لكن بعد بضعة أشهر تبدأ المشاكل بالظهور.* كيفيّة الخلاص من العدد المتزايد للعجزة والمسنّين وأصحاب الأمراض المستعصية شبه الأحياء – الأموات.

* إفلاس شركات التّأمين ومكاتب الجنائز والدّفن. فقدان الدين لسبب وجوده الأساسي، فمن غير موت لا تقوم للدين قائمةٌ.

نشرت الرواية عام 2005 لكن بعد 12 سنة اصيب العالم بصدمة قاتله اعادته الى الكتاب واسئلته مثل الاسئلة المطروحة حاليا هل الموت نعمة ؟ ام البناء هو النعمة؟ وهل تنفع اسئلة سارماغو في غزة ؟ وهل يمكن الاجابة عليها ؟ فمن قرء حارس المدينة الضائئعة وحرب الكلب الثانية لابراهيم نصر سيعرف الاجابة بين الموت والحياة .

كيف تقسم الرواية؟ الى جزئين:

قسمت الرواية الى ثلاثة أبواب.

الباب الاول : المملكة والحكم الملكي الديمقراطي حيث يهجرها الموت! البيوت تنهار ، والحرائق تشتعل فى المنازل ، والمرض يُصيب الناس لكن لا أحد يموت! بعض الناس ابتهجت لاعتزال الموت وظيفته، وفرحوا لإنهم سيكونوا مُخلدين، ومن نحبه سيظل مدى العمر بجوارنا، فلا ألم للفراق ولا حنين إلى الأسلاف. لكن الأمور لم تسير على هذا النحو، فقد بدأت المشاكل بل ـ كما سنرى ـ الكوارث فى التفاقم.

1. كانت من نصيب المرضى فى المستشفيات ، وصانعوا التوابيت فهم يتألمون ويصرخون ولكن لا يموتون. والمستشفيات تُعاني من نقص فى الأسِرّة نتيجة زيادة أعداد المرضى. نفس الأزمة واجهت بيوت المسنين حيث العدد يتزايد، ولا أحد منهم يموت ليُخلى مكانه للوافدين الجُدد. وصانعو التوابيت قطع مصدر دخلهم .

2. شركات التأمين. فما معنى طلب التأمين على نفسي وعائلتي وأنا أصلاً مُخلد ولن أموت؟! فقرر من شملهم التأمين، سحب بوليصة التأمين والمطالبة باسترداد أموالهم. مما تسبب فى إفلاس سريع وفورى لتلك الشركات. ولم يكن لهم مفر من "طلب النجدة والحل من رئيس الوزراء"

المصيبة الرابعة كانت من نصيب نظام المعاشات. فكبار السن بما أنهم لن يموتوا، فإلى متى سيأخذون معاشهم الذى يُستقطع جزء منه من راتب الشباب والعاملين؟ وكالعادة " طلب العاملين النجدة والحل من رئيس الوزراء".

3. كانت قاضية لأنها جائت فى القضاء! فما جدوى التشريعات بخصوص الميراث والجميع مُخَلد؟ ثم ما قيمة أحكام وتشريعات القتل؟ إن فرضنا أن مريض يتألم حاول الإنتحار ليرتاح من ألمه، أو حتى شخص مكتئب يمر بأزمة عاطفية، فعلى أي أساس سيحاكم؟ أليس الموت أمر طبيعى للإنسان؟ وحين أسعى لهذا الأمر بكل الطرق، فما المبرر الذى ستمنعنى بمقتضاه؟ فلم تجد تلك المنظومة بُد من "طلب النجدة والحل من رئيس الوزراء ".

4. الزلزال الأكبر على الإطلاق كان واضحاً فى الجيش. فما معنى الوقوف المُملل على الثغور والحدود وأمام العدو وأنا أصلاً لن أموت لا برصاص العدو ولا برصاص المحاكم العسكرية؟ ثم إن ما فعله الموت باعتزاله قد أطاح بمعنى (التضحية، الشجاعة، الفداء، إلخ إلخ). فما الذي يُجبرنى على الألتحاق بالجيش؟ ويلوح فى الأفق إنقلاب عسكرى ! ولنا أن نتصور كيف أصبحت حالة رئيس الوزراء الأن !.

الباب الثانى :

بالصدفة البحتة يكتشف أحد سكان المملكة دولة مجاورة يموت الناس فيها بشكل عادى، وبعد التجربة على حماه العجوز، يتأكد أن الموت فعّال فى تلك الدولة. فيذهب ليُخبر أبناء مملكته عن هذا الأمر! وللقارئ حق التصور والتخيُّل في ما سيُحدثه هذا الخبر. وكيف انقلب الوضع رأساً على عقب بشكل مهول! وهو الانقلاب الذى ساُطيخ به إن حاولت سرده بالتفصيل.

الباب الثالث: فى إحدى مرات قبض الأرواح، تجد المنيّة (الموت) صعوبة فى قبض روح شخص عادى، فقد كانت ترسل خطابا بنفسجيا لكل من ستقبض أرواحهم ، لتُعلمهُم أنه تبقى من أعمارهم أسبوع. وعقب انتهاء المدة ستقوم بقبض أرواحهم. إلا أن هذا الشخص كلما أرسلت له المنية الخطاب تجد الأخير يُعاد رده إليها! فتتحير وتتعجب من هذا الأمر ! فتُقرر الذهاب إليه متنكرة فى هيئة سيدة جميلة لحل هذا اللغز. فتجده عازف ( تشيلو) بسيط فى كل شئ بدءاً من ملابسه وانتهاءاً بيومه. فى كل محاولة جادة منها لإعطاءه الخطاب يداً بيد تقع الموت أسيرة فى عزف الموسيقار! تطلب منه أن يعزف لها باخ، بيتهوفن وغيرهم. وفى كل مرة تجد نفسها عاجزة عن ممارسة سطوتها وقوتها أمام عزفه! لقد انتصرت الموسيقى على الموت! فلإن كانت الأخيرة قَدرْ ، فالموسيقى مصدر عزاء . ولإن كانت المنيّة قادرة على دفننا فى التراب، فالموسيقى هى البعث لأرواحنا. الموت هو نهايتنا، لكن أمام الفن تنتهى حدود الموت.

واخيرا :

1 - يُريد ساراماجو ـ فى المقام الأول ـ إيصال رسالة مُفادها: أن الموت هو جزء من الحياة وليس أمر شاذ أو غريب لابد أن نفزع منه، أو كما يقول أحد كبار مُعلمى الزِن (إيكهارت تول) : الموت ليس ضد الحياة، ضد الموت هو الولادة. فلو بكينا على وفاة من نحبهم، فسننزعج بنفس القدر من الحزن على توقف الموت. وبشكل مُبهر وحقيقي؛ كشف ساراماجوا عن تداعيات غياب الموت. يكفى- فقط- النظر إلى المرضى الذين لاشفاء لهم، حتى نؤمن بأن الموت ضرورى.

2 - فى المقام الثاني، يؤمن ساراماجو بأن ثمة نوعان من الموت: موت و الموت. موت يقصد به وفاة شخص حىي أو كائن حي. وفى نظر سارماجوا ليس هذا موت حقيقى بل هو انتقال الكائن الحى من هيئة معينة وتحوله لهيئة أخرى داخل اطار الطبيعة. فمثلاً وفاة الإنسان وتحلله، يعود بعناصر تكوينه إلى الطبيعة (كاسيوم، حديد، زنك، إلخ إلخ). كما دودة القز، نقول انها ماتت لكنها فى الواقع وُلدت من جديد لكن بشكل فراشة. وكما يقول لافوازيه: لاشئ يفنى ولا شئ يبقى وإنما هى تحولات. وفى هذا المعنى يؤمن سارامجوا برؤيته للحياة قائلاً بكل وضوح: كل واحد منا هو الحياة فى اللحظة الراهنة. أما (الموت) : فنستطيع أن نقول أنه انتقال الشئ من وجوده إلى العدم ! والأخير هو مايؤمن به سارامجوا بأنه سيلتهم الحياة كلها يوم ما بما فى ذلك (موت).

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق