"هناك، في قلب هذا الجحيم، كنا ننذر أنفسنا للتوبة. من العاصفة تعلمت التوبة والصلاة والاستغفار وطلب الرحمة. العاصفة تعرف كذبي، تعرف كذبنا جميعًا، تعرف أننا لن نتوب، وسنعاود الكَرّة، وسننزل من جديد إلى البحر، لأن رزقنا فيه." - نهاية رجل شجاع لعملاق الأدب السوري حنا مينة 🇸🇾

ما أروع أعمال هذا السوري المبدع صاحب "الشراع والعاصفة" و"المصابيح الزُرق" وغيرها من الأعمال التي حفرت اسمه في ذاكرة الأدب العربي الحديث! لا تشذ هذه الرواية عن القاعدة، بل تشكّل امتدادًا لمشروع حنا مينة المهموم دومًا بالبسطاء والمهمشين وعوالم البحارة والصيادين وعمال الموانئ بما تشمل من شرفاء ومحتالين وحمائم وصقور.

في هذا العمل، نتعرّف على مفيد، وهو صبي مشاغب يجلب لأهله ولكل من حوله المتاعب، ثم يغادر قريته ويشب رجلًا ناقمًا على الحياة، يأخذ الدنيا غِلابًا بذراعه ويرتكب جرائم صغيرة، إلا أن هناك بين حنايا ضلوعه نقطة نور ترفض الظلم وتأبى الانبطاح، وهو ما يجعله متعاطفًا مع مطالب عمال الميناء الذي يعمل به ومساندًا لمطلبهم بتكوين نقابة.

كعادته، يفضل مفيد العمل منفردًا، متحديًا كل من في الميناء وعازمًا على إثبات شجاعته، إلا أن سوء تقديره وعناده يدفع به إلى صراعات تفوق قدرته، وصولًا إلى نهايات كارثية. بطبيعة الحال، يؤطّر الخط الدرامي لإشكالية أعمق، وهي الفساد المجتمعي الذي يفرز مثل هذه النماذج بدءًا من الأسرة والمدرسة، وصولًا إلى تسلّط السلطة بمختلف أشكالها.

شخصية مفيد شخصية غير مركّبة، ويمكن التعاطي مع مفاتيحها بسهولة، وهو ما لا يشتت المتلقي في قراءات مختلفة لسببية تصرفات بطل القصة الذي عاش شجاعًا -كما أراد دومًا- في عالم لا تنفع فيه الشجاعة التي لا يسوسها العقل والتدبير.

#Camel_bookreviews