نجيب محفوظ، أخيرا أقرأ له! بعد مسيرة طويلة مع منيف ومن ثم صعوبة في ايجاد ما يمكنه أن يشدني بعده، أجد لنجيب محفوظ أثرا مماثلا، وفكرا وفكرة لا يسعني إلا أن أستزيد منها، وأسكن إليها كل ليلة.. قيل ليست اللغة المشتركة ما ننطق به، فاللغة تبدأ بالظهور عندما نصمت.. وكل من منيف ونجيب محفوظ يبرعان في إظهار تلك الفاصلات الصامتة ما بين التبادلات اللغوية.. في هتك أسرارها وكشفها كشفا دقيقا.. الحوار بين الشخصيات عبقري لا محالة، ولكن ما يتلو الحوار وما يعشش في فترات الصمت، والخلوة، وما يسكن في خفايا الكلمات وأعقابها.. هو المبتغى، وهو ما لم يخف عن مؤلفنا.. أول قراءاتي لنجيب، أفهم بعدها القامة الأدبية التي كانها ومثلها، وأن مصر بعد نجيب محفوظ ليست بأي حال كمصر التي قبل نجيب محفوظ ولا تكون.. وأفهم جائزة نوبل التي لم يحضر ليتسلمها.. وأتأكد بها أن فراغي من كتاب بهذا الطراز لهو من ألذ متع الحياة وأشدها تركيزا وقيمةً!