ضد التاريخ: تفنيد أكاذيب السلطة وتبديد أوهام الشعب > مراجعات كتاب ضد التاريخ: تفنيد أكاذيب السلطة وتبديد أوهام الشعب > مراجعة مصطفى عبيد

ضد التاريخ: تفنيد أكاذيب السلطة وتبديد أوهام الشعب - مصطفى عبيد
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

عماد الغزالي يكتب :

من يمكنه أن يكتب الكلمة الأخيرة في كتب التاريخ؟ لا أحد. حتى ما شهدناه بأعيننا موثقا بالصوت والصورة اختلفنا حوله سواء كنا مشاركين في الحدث أم اكتفينا بالفرجة والمراقبة، أو تدوينه والكتابة عنه بعد وقوعه.

التاريخ حمال أوجه. يجتهد المؤرخون ويحاول المنصفون منهم الالتزام بأقصى درجات العلمية والمنهجية في جميع الوثائق والشهادات من كل الأطياف. لكن لا أحد يمكنه الزعم بأنه صاحب الكلمة الفصل التي لا مزيد بعدها. مازلت أذكر ندوة تاريخية موسعة عقدت في نهاية الثمانينات بالقرن الماضي نظمها الدكتور أحمد عبد الله رزة رحمه الله عن الالتزام والموضوعية في كتابة تاريخ مصر المعاصر. وشهدت جلساتها مناظرة بين الدكتور عبد العظيم رمضان والدكتور عبد الخالق لاشين حول مذكرات سعد زغلول بعد أخذ ورد بينهما على صفحات مجلة الهلال العريقة.

كلاهما قرأ أوراق زعيم ثورة 1919 لكن الهوى الناصري لـ"لاشين" دفعه لاستنتاجات مغايرة عن تلك التي انتهى إليها "رمضان" وأشهد أن علمية رمضان سحقت هوى لاشين الذي لم يرد على أي من تساؤلات "رمضان" حول الأخطاء التي وقع فيها علما بأن هذه الأخطاء حملتها سالة لاشين للدكتوراة ونشرها بعد ذلك في دراستين منفصلتين اعتبرهما كثير من الباحثين بمثابة مراجع مهمة في التأريخ لثورة 1919 وزعيمها.

رحل "رمضان" و"لاشين" وبقي الجدل حول سعد زغلول ودوره في السياسة المصرية يحركه الهوى والغرض، بل إن ثورة 1919 ذاتها بكل آثارها وتأثيراتها في حياة المصريين إجتماعيا وسياسيا وأدبيا وفنيا يصفها بعضهم في دراسات حديثة بأنها ليست سوى مقايضة، هكذا بين الإنجليز وجماعة من أصحاب المصالح من أبناء البورجوازية المصرية الصاعدة.

بعض هذا ستجده فيما كتب عن ثورة عرابي التي يراها بعضهم ثورة شعبية حقيقية قادها زعيم الفلاحين ويراها آخرون أنها هوجة ركبها عسكري أهوج طموح استحق أن يلفظه الناس ويذكروه باعتباره سببا مباشرا في الاحتلال الإنجليزي لمصر.

الأمر ذاته ينطبق على حكم عبد الناصر والسادات. اجمع ما كتب وقيل عنهما وسترى العجب العجاب. فكلاهما زعيم وطني مخلص بعيد النظر وكلاهما أيضا ديكتاتور قاتل خائن ومستبد. حسب الهوى والميل وزوايا الرؤية وأحيانا المصلحة.

وزميلنا الكاتب الأديب مصطفى عبيد في كتابه "ضد التاريخ" الصادر مؤخرا عن الدار المصرية اللبنانية يحرث في تربة التاريخ مقلبا ومنقبا يعيد الاعتبار لشخوص ويهيل التراب على آخرين، فمصطفى كامل برأيه ليس زعميا وطنيا ولا يحزنون ولولا دعم الخديو عباس حلمي ولي نعمته له ما ذكره أحد. والنفخ في صورته وزعامته على هذا النحو لم يكن سوى جزء من مخطط نظانم يوليو 1952 للتغطية على الزعامات الشعبية الحقيقية من نوعية سعد زغول ومصطفى كامل.

أما اسماعيل صدقي والذي عرف باعتباره صاحب الانقلاب الدستوري الشهير فهو من الغى دستور 1923 ووضع بدلا من دستور 1930 الذي قيد الحريات واغتصب سلطات المجالس النيابية لصالح الملك والحكومة، فإن المؤلف يقدم له وجها آخر محتفيا بإنجازاته الاقتصادية والعمرانية التي يورد بعضها ومنها صالاحاتها في الجمارك والقطاعات المالية وإنشاؤه اتحاد الصناعات والعديد من المدارس الصناعية والفنية وتشجيعه البحث العملي وإنشاؤه كورنيش الإسكندرية على الرغم من المعارضة البرلمانية والشعبية آنذاك.

افتح قوسا هنا عزيزي القارىء لأذكرك أن إسماعيل صدقي كان واحدا من أربعة بينهم سعد زغلول تم نفيهم إلى مالطا في مارس 1919 من قبل سلطات الاحتلال الإنجليزي ما أدى إلى اندلاع الثورة، وللدكتورة صفاء شاكر كتاب مهم صدر عنه عن دار الشروق عنوانه "الواقعية السياسية في مواجهة الحركة الوطنية" يطرح رؤاه البراجماتية التي كانت سببا في اشتعال الخلاف بينه وبين زملائه من قادة الثورة والرأي العام في عمومه والذي وصفه بعدو الشعب.

وافتح قوسا آخرا لأقول إن سعد زغلول لم يشارك في وضع دستور 1923 ووصف اللجنة التي وضعته بلجنة الاشقياء إلا أن الوفد وزعيمه بقيا يدافعان باستماتة عن دستور لم يشاركا في صنعه.

أما الرئيس محمد نجيب فهو بحسب ـ عبيد ـ ديكتاتور لم يأخذ فرصته ويستشهد المؤلف بعبارات قالها نجيب في مناسبات مختلفة جميعها يحمل تهديدا ووعيدا للاحزاب والقوى السياسية وفي القلب منها حزب الأغلبية "الوفد" ويشير كذلك إلى علاقاته الوثيقة بالإخوان المسلمين وتبنيه لأفكارهم الظلامية.

أما أكثر ما استوقفني في الكتاب فذلك الفصل الذي حمل عنوان "الذين قتلوا السادات بعد موته"، وفيه يورد المؤلف قصيدة للشاعر أحمد فؤاد نجم تمجد قتلة السادات وهم خالد الإسلامبولي ورفاقه وتخلع عليهم صفات النبوة والصالحين وفيها يقول نجم "أصل الحكاية ولد / فارس ولا زيه/ خد من بلال ندهته / ومن النبي ضيه/ ومن الحسين وقفته / في محنته وزيه." ويواصل على منواله الاحتفاء ببقية القتلة.

المدهش أن نجم لم يفعلها وحده ففعلها جمال الغيطاني في التجليات. يقول الغيطاني واصفا الإسلامبولي " لم أعرفه إلا مدثرا بالبياض، يندفع في قلب النهار، معه صحبة صدورهم عارية يقتحم المنصة ليخلص زمنا وينقذ أمة.."

وفي الاتجاه ذاته يكتب يوسف إدريس في كتابه " البحث عن السادات" والذي يحتشد بكم هائل من التجني والظلم والتجاوز الذي يصل إلى حد البذاءة تماما كما فعل حسنين هيكل في خريف الغضب.

ولعلك تتساءل عما يدفع مبدعين عرفوا بمناهضتهم للإسلامجية على طول الخط إلى التوحد معهم على هذا النحو وهو موقف لا يختلف كثيرا عما فعله مرسي في احتفالات أكتوبر عندما تصدر قتلة السادات الاحتفالية.

كيف لمبدعين يتوقون إلى الحرية والانطلاق ويدافعون هن قيم التسامح والعقلانية وقوبل الآخر أن يقفواف ي الخندق ذاته الذي تنطلق منه دعاوي التطرف والإرهاب والقتل !!

أقول لك إنها المكايدة السياسيى وتربيتنا التي تخلط الذاتي بالموضوعي ونخبتنا التي تلعب بالبيضة والحجر.

يعرف المؤلف حتما أنه لا يخط كلمة أخيرة في كتاب التاريخ، لا عن أحداثه ولا عن أشخاصه لكنها كلمته يقولها ويمضي وسيقول آخرون ما يعضدها أو يناقضها الآن أو في المستقبل وهذا لا ضير منه بشرط إلا نغرق في التسلف والانغماس في الماضي. وبدلا من اعتبار تاريخنا بعمقه وامتداده دافعا للتغيير والتفوق والانجاز يصبح "أتبا " يثقل ظهورنا ويعيقنا عن الفعل والحركة لتتحول السبعة آلاف سنة حضارة إلى أغلال تجرنا إلى الخلف بدلا من أن تصير دوافعا تدفعنا إلى المزيد من المساهمة في الحضارة الإنسانية.

وكما كتبت هنا من قبل فإن المتسلفنة " دينيا وسياسيا وفكريا" عاجزون عن التعاطي مع المستقبل يستمتعون بالاستلقاء على أسرة الماضي ووسائده الوثيرة منغمسون حتى الثمالة في معاركهم الصغيرة وثنائياتهم الخائبة اليت لا تبني وطنا ولا تقيم حضارة ةغاية آمالهم أن يستعيدوا زمنهم الجميل. ألا أمة تتطلع إلى المستقبل وتحلم بغد أفضل فإنها تقف على باب الرجاء متضرعة. ربنا لا تحرمنا نعمة الخيال..

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق