#ريفيوهات
"صلاة محمد في الكنيسة....تيه النفوس وفتنة النَوار"
-في هذه المجموعة المتنوعة في حبكات قصصها -وأدواتها سواء في استخدام الاسقاط كما في قصص "الموتى لا يتكلمون، والكرسي البمبي، والوهم، والمهزأ" والرمز كما في قصتي "سودان وقصة كلب" والحكايات الاجتماعية ومشكلاتها "كصلاة محمد في الكنيسة، وحكاية هناء، والأحمر يبعث على الفتنة، ومصدية، وحتى لا تقعدين مكان أمك" أو الفلسفة كبعض القصص- سهل عليّ-كما سهل على بعض القراء- بتتابعها أنها موصولة ببعضها، تناقش فكرة واحدة بلقطات مختلفة، يكشف لنا ما توارى عنا وانكشف له "كقصة اللقطة الأخيرة".
-يتركنا الكاتب في حيرة غريبة قليلا، فبعرضه منازعات النفس والروح وجدوى الخلاص "كقصة صراصير" والفتنة والتجربة التي لا يريد أبطال القصص أن يدخلوا فيها "كالنداهة في قصة الوهم أو المجد في قصة الكاتب"، لا يريد بذلك أن يعرض خطا واحدا بسيطا، بالعكس؛ فقد صنع خطا آخر موازيا للفتنة ذاتها، كأنها مجادلة لها نفس طويل، ولا يربح فيها أحد.
--صور متعددة للنَوار "الجانب الآخر للكيد العظيم"
"وكانت جنتي فخرجت منها
كآدم حين أخرجه الضرار"
الفرزدق
- لكي نعرف -في رأيي-معنى قصص "الكرسي البمبي، ثالوث الموت، التيه، البواب"، ومدلولها على أن دخان الفتنة منبعها نار واحدة، تسيق الكل إليها ليهانوا بلهيبها، يجب أن نعرف ما أشعل النار وجعلها فتنة أصلا، أو جعل تلك الصفة موصومة بها، ملزمة بتحقيقها.
-ولذا ترى النساء في قصص "حتى لا تقعدي بجوار أمك، حكاية هناء، امرأة في الجنة، الموتى لا يتكلمون "إذا نحينا الاسقاط" " مشبعات بالقهر والتعب، والضحية المغلوب عليها "كما بدأ في قصة الأسانسير" ، ويضع من جمل مثل "أنتِ ملكي" التي نطقها معظم الأبطال الرجال في تلك القصص، سياطا تقطعهن أو سجنا يحيط بهن "حسب تصور الكاتب"، يتشابهن مع ما لاقته النوَار ابنة عم الشاعر الفرزدق بظلم حين احتال عليها وزوجها لنفسه وفرق بينها وبين حبيبها، ولأنها تريد الحرية والاتساع متلاقية خطوطها مع نساء تلك القصص"والتي أجاد في تصويرها الكاتب مع بعض التحفظ البسيط" تسعى النوار لحريتها بالاستنجاد حتى لو كان بين صراع كبير مشتد "بين بني أمية وابن الزبير"، ولما يئست، أحالتها حريتها لحيلة نتجت عنها البيتين المذكورين
-ويعني فيما رأيته من تصور الكاتب، أن الضغط والعذابات المتكررة يجعلان المرء يهوى فردوسه المفقود، يحاول التقاطه ولو كان ذلك ما يجعله خارج الصورة "كقصص اللقطة الأخيرة بكونها ذرات رمل وثالوث الموت بموت رادوبيس والكرسي البمبي بتصغيره"، ولذا يسعى الطرف المغلوب على أمره لتحقيقها، ولآنه خارج الصورة فيعني ذلك أنه مرآة شفافة ينعكس عليها المفتون أو الغاضب، فلا يلقها بحجر أبدا "كرمز المرآة في قصة الكاتب وقصص أخرى"
--وعاء اللبن المعتق "توهة النفس"
❞ أملي مستباح بين المشيئة والعلم، مقاومتي تتلاشى، تائه بينهما. إرادتي تتداعى، واليأس على صدري يرين. الرمال تحرق جلدي، والوهن يفت عضدي. طريق عودتي طويل. أحاول اقتناص الهواء من الجو القائظ، سأجد سريرًا وكأس. ألهث، وأشعر باختناق، أسقط كأنني أرى نهايتي، ❝
من قصة التيه
-بالعودة للخط المعتاد، نرى صراع النفس يتشعب لزوايا مختلفة، أولها حرية مغايرة تريد الابتعاد والسمو "كابتهال محمد في قصة صلاة محمد في الكنيسة "، تتعلق بأمل مخلصها من دورة الصراع التي لا تتوقف "كقصة صراصير" ، يقاوم وكلما قاوم ازداد علوا أمام من انتكس، ليصير مسيحهم الجديد، وكلما عذب "في قصة المهزأ" ، أو تعرضت له الفتنة وتمنع قاوم وهام في الاتساع "كقصة التيه وحكاية ك.لب"، يزداد تفردا، إلا أن التبصر والنور الذي يزداد فيه لا يحتمله فيصير متوحدا مع الصرصار والمهزأ والك لب "نصف حكيم لا أكثر"
❞ لكن الخارج هو الارتقاء، الهواء، المعراج، الرحلة المقدسة.. يواصل» الظلام هو المقدس». ❝
من قصة صراصير
-والثاني من يفر بنفسه، يهرب من كل شيء إلى أي شيء، يبحث بذلك عن ظل الإله يستجير به، مضطربا في الابتعاد والاقتراب، فتراه يشرب الخمر ويريد بها سكرات العاشقين، أو يصلي ركعتين في المعبد، ولا يريد من ذلك كله إلا أن يلتقط هدايته، طفله الصغير، ومن كل ذلك يصير شبحا، ليس له قالب هوية يضع نفسه فيه، فلا يرى أثره إلا عارف أو مشفق، أما نهاية رحلته فهي معروفة حين يرى ضالته ولا مقام له بعدها "كقصص اللقطة الأخيرة وصلاة محمد في الكنيسة وأبي والمجذوب في قصة التيه"
❞ يا غريب، إن ذهب منك ما يميز، سقط عنك ما يدون ! ❝
من قصة التيه
-والأخير ببساطة هو من يحكم عقله، ويحتكم بقواعد دنياه، مهما قاوم واحتفظ بنا.ر أصالته، إلا أنه يفضل أن يكون مسخا شبحا مثل الأشباح يمتطي الموجة "كقصة على واحدة ونص"
ملاحظات:
-تبدو اللغة متوازنة بين الفصحى واللهجة العامية المصرية رغم أنني متحفظ منها إلا أنها مناسبة للأجواء التي تدور حولها الحبكة
- لم تعجبني قصة امرأة في الجنة، رأيتها غير منطقية-ولو أن لها مدلول ومعنى مخفي- إلا أنها نفت العدل وأخفت القص.اص فبدت جنة غير منطقية وكذلك نهاية قصة حكاية هناء غريبة بعض الشيء "كيليشيه يعني" لكنها لطيفة
-إيقاع الجمل في السرد متسارع، مشتت في بعض الأحيان إلا أنه مفيد في الأحداث، غير أنه توازن في بعض القصص كثالوث الموت والكاتب
الخلاصة: مجموعة لطيفة جدا، استمتعت بها وبأفكارها ومناقشاتها القوية