بعد الإنتهاء من الرواية أو المسرحية أو المونولج أو أياً كان المُسمى؛ وجدت نفسي في حيرة، ما المُميز حولها؟ حقيقة لا أرى أي جميل فيها، شذرات أفكار غير مُكتملة، شخصيات لن تنغمس معها وفلسفات لن تقتنع بأياً منها، وظل ذلك السؤال يطن في ذهني: ما المُميز حولها؟ قرأت العديد من المُراجعات التي تُشيد بالفيلم أكثر من الرواية وبناءاً عليه بدأت. أبديت تعجبي أن الفيلم يقترب من الثلاث ساعات والكتاب في الأساس 60 صفحة فقط! وهنا وجدت أن الفيلم أفضل بكثير من الكتاب، الفيلم جعلنا نتعلق بالشخصيات، نفهم الفلسفات، ونتأثر بالحكاية الحزينة فعلاً، وحزني الأكبر كان أن الكاتب لم يستطع أن ينقل ذلك في كتابه!
روعة الفيلم جعلته من المُفضلات بالنسبة لي دون أي شك، ويجب على أي ناشر لهذا الكتاب بأي لغة كان أن يوفر نسخة من الفيلم كأسطوانة مثلاً مع الكتاب، حتى لا يفوته تلك المُتعة الخاصة من الجمال.
وتلك الأفكار التي سأزيدها هي ناتجة من مشاهدتي للفيلم المُقتبس وليس الرواية أبداً فالرواية ستحصل على نجمة واحدة بجدارة.
ولد 1900 في البحر، عاش في البحر، في ظروف غريبة يتعلم الموسيقى؛ العزف على البيانو على الأخص، أي شيطان تلبسه وهو يعزف؟ أين تعلم العزف؟ لا أحد يعلم، أختفى يوماً ما وظهر فجأة يعزف عزفاً لا مثيل له، عزف يجعل روحك تسمو وتبكي كالأطفال، هذا لغز لم نتوصل لحله أبداً، ولكن من قال أن كُل الألغاز يجب أن تُحل؟ ذلك الغموض يُكمل جمال المعزوفة، ويُزيد من حُبنا للموسيقى. والموسيقى وآه من الموسيقى، هي منحة من الجنة وجدت حولنا، بأشكالها المتنوعة، الصاخبة والهادئة، الكلاسيكية والحديثة، كُل الموسيقى لها غرض ماً، وذلك ما يجعلنا نُحب الموسيقى، نعشق الألحان التي تُخاطب روحك، بدون كلمات! تصل بك الموسيقى إلى نشوة غريبة وغير مُبررة ولكنك تسمع وتطمئن وترتاح دون أن تسمع أي كلمة، فقط ألحان وعزف، وستجد نفسك تفهم تلك الأصوات المُميزة، تلك اللغة الصامتة بينك وبينها، تنفذ إلى روحك، وتبتسم أو تبكي أو حتى تُفكر. الموسيقى هي سحر، سحر خلاب، ولكنه سحر صوتي، لا تراه، ولكن تسمعه، بقلبك.
تناول 1900 لفلسفة حياته، عن أنه ولد في البحر، تخلى عنه والديه لسبباً لا يفهمه، ولكنه وجد أن ذلك يُناسبه وبشدة! حاول أن يتأقلم أن يندمج، ولكن الحياة ليست للجميع! هُناك من ولدوا ليكونوا وحيدين بشكلاً ما، تفرض الحياة عليهم نمطاً معيناً وشكلاً مهما حاولنا تغييره لا نستطيع.. و1900 حاول كثيراً بصمت أولاً ثم بفعل مرات أخرى، ولكنه لم يستطع، لم يستطع التعامل مع كُل تلك الاختيارات، والخوف منها، الخوف من الفشل، الخوف من الاختيار الخاطئ، كُل تلك الاختيارات أرعبت 1900، وصدقني هي مُرعبة فعلاً، فقط بالتفكير في كُل تلك الاحتمالات وقف في منتصف السلم الذي يفصله عن الأرض مرت أمام عينيه كشريط سينمائي وفهم أن هذه ليست الحياة التي ولد لها، حياته في البحر، فقط البحر من يستطيع أن يحتويه.
ختاماً..
إذا قرأت الرواية لا بُد أن تتبعها بمشاهدة الفيلم، الفيلم مُمتلئ بالتفاصيل التي عجز الكاتب عن وصفها داخل صفحاته، وستدهشك كمية الجمال الموجودة بداخل الفيلم، تذكر هذه الكلمات فقط، هناك مشهد أنت لم ترى مثله قط، مشهد المُبارزة الموسيقية مثلاً ينتظرك، ليُمتعك، والفيلم مُجملاً أكثر من مُمتع ومليء بالمشاعر الحزينة والسعيدة والغريبة.