على ضفاف البحيرة > مراجعات رواية على ضفاف البحيرة > مراجعة Langri Yasmine

على ضفاف البحيرة - مصطفى لغتيري
أبلغوني عند توفره

على ضفاف البحيرة

تأليف (تأليف) 5
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

تحليل رواية « على ضفاف البحيرة »للكاتب المغربي مصطفى لغتيري.

« أن يقيم المرء وسط الجبال في أرض تعد بكرا لم يلوثها بعد التوسع العمراني لا يمكن سوى أن يفجر في أعماق الذات نبعا ثرا من الأحلام و المتمنيات السعيدة. »

كيف لنا أن لا نكون أسرى هذا المؤلف الذي يعجز لساني العربي أن يتحدث عنه دون تلعثم و دون أن ينتابني شعورا غريبا عجزت عن تشخيص طبيعته؟ إذا استعرت قلم الكاتب المغربي الغني عن التعريف « مصطفى لغتيري »، فإني سأتحدث عن هذه الرواية جازمة أن الكلمات التي تحمل بين صفحاتها شبيهة بفراشات بديعة تحلق في فضاء قلوبنا و تتسلل لأعماق نفوسنا لتزركشها بألوانها الجميلة المخفية لمعاني قوية تكاد لا تفارق الذهن.

و لعل ما أضاف لهذا الكتاب جماليته هو تعاقب الشخصيات الرئيسية على تقديم صيغتها الخاصة للأحداث ما جعل السرد يتخذ شكلا مثلثيتا. فالزاوية الأولى تنسب ل « محسن » ؛مهندس معماري فرض وجودة في هذا الميدان ،حيث تتميز أعماله بكونها مزيجا متناسقا بين كل من الطابع الشرقي و الغربي الأوربي مع الحرص على إضافة لمسة عصرية على كل ذلك. كان هذا الأخير شغوفا بعمله ،إلى أن اعترض طريقه حدثا مروعا أودى بحياة كل من زوجته و ابنته، مما تسبب له في حالة اكتئاب ناتجة عن استسلام هذا الأخير للإحساس بالذنب الذي جعله يحمل نفسه مسؤولية الواقعة المأساوية.

تحمل الزاوية الثانية اسم « شمس »؛ابنة « محسن » ؛ مراهقة في السادسة عشر من عمرها، تغذي فضولها و خيالها بكل ما يشارك معها والدها من معلومات و قصص حول العالم المحيط بها ،خاصة تلك المتعلقة بقبائل « زيان » المنتمية للأطلس المتوسط؛ و التي بقيت ذكرى مقاومتها مرسخة بالأحرف الذهبية على كتب التاريخ . كل هذا جعل « شمس » ترث حبها الأبدي للطبيعة من أبيها ، و كان هذا الحب الذي تكنه تجاه هذه الأخيرة مصدرا تستمد منه إلهامها لكتابة أشعارها ببراعة تبهر والديها ، غير أن عنادها و لا مبالاتها بعواقب أفعالها عادة ما يتسببان لها في جملة من الاحتكاكات مع والدتها « أسماء »التي تشكل الزاوية الثالثة و الأخيرة من المثلث السردي ، حيث أنهاـ على عكس زوجها و ابنتهاـ متعقلة و تخشى خوض مغامرات من المحتمل أن تشكل خطرا عليهم، إذ كانت تبالغ في خوفها أحيانا، فيختفي الجو الإيجابي الذي كان يعم بين أفراد أسرتها الصغيرة. إضافة إلى كون نظرتها لدور المرأة داخل المجتمع الذي تلخصه في سعي هذه الأخيرة لتكوين أسرة و تخليها عن عملها و أحلامها ، تخالف تماما نظرة ابنتها الطموحة و الشجاعة.

لكن « أسماء » و على الرغم من قسوتها معهما ، تحبهما أكثر من أي شيء و لا تتحمل إفساد فرحتهما ، مما دفعها إلى الموافقة على مرافقتهم في رحلتهم التي يودان قضائها على ضفاف بحيرة جبال الأطلس .و كما يوحي العنوان؛ فإن هذا المكان سيشهد جزءا رئيسيا من الأحداث. حيث تمكن الكاتب من خلال وصف إجازتهم ،أن يبرز بعض معالم العلاقة القائمة بين الانسان والطبيعة ؛و التي تكمن في الحبور الكبير الذي كان يتدفق في جسد شخصيات الرواية كلما تأملت في المناظر الطبيعية التي تحيط بها؛ فالساكنة الحضرية المتأثرة باكتساح العمران للمجال الطبيعي لا تحظى بهذه الفرصة في حياتها اليومية بفعل كل التغييرات التي أحدثها تحكم العنصر البشري في الطبيعة ،و المتمثلة بشكل أساسي في بروز التطورات العلمية و الصناعية الملوثة للبيئة و المدمرة لها . فأصبح البعض يسعى لإعادة نسج علاقة الانسجام السابقة التي كانت تجمعه بالطبيعة متخذا السفر وسيلة فعالة لتحقيق مبتغاه. وعلى عكس ذلك فإن الساكنة القروية ترى أنه في فك هذه العلاقة ـ بالهجرة إلى المدينة ـ فرصة عمل لا تعوض .ولعل احتمال رجوع معظمها يقاس حسب حبها لأرض أجدادها و مدى تعلقها بها كما يظل أنسب استشهاد على ذلك؛ شهادة صاحب مقهى « أكلمام أزكرا » الذي اقتسم تجربته في إحدى فصول الرواية.

و علاوة على ذلك ، فإن تدخل النشاط البشري في الطبيعة قد يساهم في تعميق إلمام الإنسان بخفاياها و تسخيرها لمصلحته ،غير أن هذا العلم لا يقدر أن يكون شاملا و مكتملا ،مما يجعل قوة الطبيعة تفوق القوة البشرية بشكل كبير، فالإنسان بتهوره قد يكون تحت سيطرة هذه الأخيرة .

و أخيرا ،فقد صدق الفيزيائي الألماني « ماكس بلانك » حين لخص كل هذا بقوله أن العلم التجريبي لا يستطيع أن يحل اللغز الجوهري للطبيعة وهذا في النهاية بسبب أننا نحن جزء من الطبيعة وبالتالي جزء من اللغز الذي نحاول أن نحله.

ياسمين الأنجري.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق