"دروز بلغراد" رواية لربيع جابر، تعرفتُ من خلالها على أحداث واقعة حدثت فعلاً في لبنان العام 1860. وهي نفي السلطات آنذاك لمجموعة من الدروز بعد الإقتتال الذي جرى بيتهن وبين المسيحيين .
تبدأ الرواية من وجود الشخص الخطأ في المكان الخطأ وأيضا في الزمان الخطأ، "حنَّـا يعقوب" بائع البيض المسيحي أصبح إسمه سليمان عز الدين، رغماً عنه وفقط لإضطرار السلطة لتكملة لائحة المنفيين بعد ان أخلي سبيل مسجون درزي هو سليمان عزالدين لقاء فدية مالية فكان حنَّا يعقوب هو الفدية الفعلية والضحية في آن.
في رواية دروز بلغراد تتلاشى مظاهر الطائفية والمذهبية لتحل محلها مظاهر الوحدة والعيش المشترك وحتى المصير المشترك، حيث ان مجموعة المنفيين هذه بما فيهم حنّا يعقوب عاشوا الظروف ذاتها وواجهوا متحدين ما اعترضهم من صعوبات وتعرضوا جميعا للمهانة وقساوة العيش . كذلك فإن الرواية تٌبرز ذوبان الفرد مع الجماعة، حنَّا يعقوب المسيحي وبوجوده ضمن مجموعة الدروز أصبح سليمان عز الدين والأخ الخامس لإخوته ، لاقى منهم كل حماية ورعاية ، وهو رغم مسيحيته نراه يٌنصت لتلاوة القرآن ويصلي مع قافلة الحجاج ويستمع للخطباء فيهم. وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على أن الإنسان يتأثر ويندمج بالبيئة التي وٌجِدَ فيها.
في مكان آخر يضيء الكاتب على بعض تقاليد وأخلاقيات المجتمع الدرزي عندما يقول متحدثا عن السجناء الدروز الذين يعملون في موسم قطاف العنب بأنهم "قطفوا الكروم وكأنها كروم أبيهم ولم يكسروا الفروع او برموا العنب على الأرض خارج السلال." وهذا ليشير إلى إخلاصهم وتفانيهم في العمل الموكل إليهم. وفي موضع آخر يقول عنهم "إذا دنت منهم إمرأة عارية الذراعين، حدّقوا إلى التراب وتركوا أصابعهم تقطف وحدها كما يفعل العميان ". ليشير إلى تعففهم وترفعهم عن النزوات.
رواية دروز بلغراد ليست رواية تاريخية كما يريدها البعض، فهي لا تؤرخ لفترة زمنية معينة بقدر ما هي تنطلق من حدوث واقعة تاريخية – نفي 550 درزي من ضمنهم حنَا يعقوب- لينطلق الكاتب من خلال هذه الواقعة إلى نسج رواية عن معاناة هؤلاء خلال رحلة النفي التي فرضت عليهم وما لاقوه خلال هذا النفي من هوان ومذلة .وانتهاك لأبسط حقوق الإنسان وفي هذا أيضا قد تكون إشارة إلى ما يمكن أن يتعرض له الجماعات التي ترزح تحت نير الإحتلال فلا فرق عمليا بين الإحتلال الفعلي للأرض وبين إحتلال إرادة الناس عبر ألإعتقال أو النفيّ .
رواية دروز بلغراد رواية جميلة تضمنت صورا ومعاني بسيطة ولعلَّ جماليتها تكمُن في أسلوب السرد البسيط . رواية تحفز القاريء لقراءة المزيد من نتاج هذا الكاتب.