لو كانت هذه قراءتك الأولى لنيتشه لا تبدأها بهكذا تكلم زاردشت ، علماً أن نيتشه جمع كل أفكاره ومبادئه وتستر بها خلف زاردشت فكان يحكي حاله شخصياً ،
عندما تقرأ نصاً يمتزج بين الشعر والنثر ، والخيال والعمق ، لن تستطيع تسميته روايةً بالمُطلق ولا شذرات ، لأنك في النعاية أمام نص مكتمل وإن كان على شكل فصول ،
النص عابر للزمان والمكان والأحداث كذلك ، بمعنى لو أن الكتاب قُرأ بعد ألف سنة من الأن سيكون محظ إهتمام وإستغراب من يقرأه ، فهو لا يعالج قضايا إنسانية لحظية ، بل قضايا وجودية وذاتيه ، تصلح لأن يفكر فيها الإنسان في أي مكان وزمان ،
وعلى الرغم من العداء الصريح للديانات والعبادة إلا أن عداءه كان أكثر صراحة للمسيحية تحديدا ، بل وأكثر ندية وفوقية بحيث أنه قدم نفسه أي زاردشت مخلص أخر أكثر صدقاً وإنسانية ، وهنا أحد أغرب التناقضات المطروحة في الكتاب ، كيف لنيتشه أن يتفاخر بالخبث ومحاربة الفضيلة وبالوقت ذاته يرى نفسه مبشراً ومنقذاً ومخلصاً للبشر ، وتمثل هذا برحلته الأخيرة لغابة مملكته ،
وعلينا أن لا ننسى بأن نيتشه لم يكن يعادي العبودية بحد ذاتها بل يعادي فكرة التوحيد ، وعبادة البشرية وتقديسها لإلهِ واحد ،
إذا خاطب نيتشه الإنسان ، والذات والأخلاق ، ستختلف معه بالجانب الأخلاقي والديني حتماً ، ولكن هنالك عبرات ووقفات سيسحرك فيها النص وتسلم نفسك له لا محالة ، كالفلسفة الخيالية التي بني على أساسها الكتاب ، هو يحمل ميت ويخاطب شمساً ويحاكي ظلاً ، ويرافق نسراً وحية ،
سأعترف بأن هنالك شيء غير مفهوم من مغزى الكتاب ، ولن أكون بذلك الغباء الذي يقول بأن الكتاب هرطقة وخيال لا أكثر ، وبعد بحثي وتخمني أن يكون مقصد نيتشه هو تطور الإنسان كونه داروني بإمتياز ، وجدته ينكر هذا التخمين الذي ألصق به ، وصراحة غير مقتنعة بتلك الأصوات التي تخرج من هنا وهنالك وتقول أنه يقصد المسيح الدجال !
يبدو أنني من الجميع الذين استمتعو بالنص وشعره ونثره ، دون أن يؤخذو المغزى الفلسفي المقصود منه ، ورغم عداء نيتشه للمرأة والدين والفضيلة إلا أنك ستخرج من النص مذهولاً لجميل ما قرأت ...