معنى الحياة: مقدمة قصيرة جدا > مراجعات كتاب معنى الحياة: مقدمة قصيرة جدا > مراجعة أمل لذيذ

معنى الحياة: مقدمة قصيرة جدا - تيري إيجلتون, شيماء طه الريدي, هبة نجيب مغربي
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

الدمية الروسية عندما يتم فتحها نعثر على دمية صغيرة ومن ثم نماذج أصغر فأصغر لها،فهي تبدو وكأنها تقول بأن أعظم الأمور هي في الأصل كانت صغيرة أو أن أكبر التساؤلات إجاباتها بسيطة،وعندما نعيد ترتيبها نشعر بالبنيان والكتمان وكأن هذا التدرج طبيعي وهو الأساسي،و

الدمية الروسية مع كل هذا التعقيد والتبسيط والجمع بينهما هي تحتفظ بجمال شكلها وهذا ربما ما يضاعف الاهتمام بها فهويتها يبرزها الزي التقليدي الروسي وأيضاً الدقة في صنع كل جزء منها الذي بدوره له حكاية بالإضافة إلى حس دعابة من طراز خاص لرقيه يصحب فتح أجزائها،وكتاب (معنى الحياة-مقدمة قصيرة جداً) لتيري إيجلتون يسير على غرار الدمية الروسية الصغيرة من ناحية عرضه لمعنى الحياة وكذلك في تأثيره على القارئ.

بدأ الكتاب بإهداء في سطر واحد عاجل ومن ثم بمجموعة من الإشادات بالكتاب ومعظمها كانت متعلقة بمضمون الكتاب أكثر منها عن المؤلف نفسه،ومن هنا سنشعر بشكل أولي بأن موضوع الحياة هو المتصدر ولاحقاً سيتبين لنا عمق دور الكاتب،وهذه الجزئية سريعة في الكتاب وفي المقدمة التي لا تتجاوز الصفحة الواحدة وربما أقل أعترف الكاتب وهو الباحث الأكاديمي بأن الولوج إلى معنى الحياة هو ما بين مرحلة من التعقل ومرحلة تناقضها،أي أن هناك الفكر الجاد والفكر الساخر،والكاتب عرف كيف يدخلنا لمعنى الحياة من باب الإنفتاح الفكري الذي به لمسة دهشة باسمة،وهذا الباب يستقبل القراء الذي يريدون الجدية المعرفية والقراء الذي يريدون فكراً مفيداً ودسماً ولكن به خفة ظل،وأعتقد بأن الكتاب بالطبع سيشد القراء الأكاديمين أكثر من غيرهم لأن البنية علمية في الكتاب حتى مع استعانة الكاتب ببشاشة قلمه،وفي الفصل الأول (أسئلة و أجوبة) تظهر هذه البشاشة من خلال تطرق الكاتب

إلى النزعة الموجودة لدى الكثير من أهل الفكر بتوجيه تساؤلاتهم أكثر من إجاباتهم حول المسائل التي تعرض عليهم ومن ضمنها الحياة ومعناها،وصار الكاتب يعطينا أمثلة على هذه التساؤلات وكيف إنها قد تحير أكثر مما هي تفسر ،وعادة ما يحرص المفكرون على الاستعداد الجيد لتساؤلاتهم من خلال صياغتها وأيضاً تقسيمها،فتارة يشعروننا بأن المسألة علمية وتارة بأنها لغوية ولفظية وتارة بأنها وجودية وفلسفية،ولهذا من الطبيعي أن من برزوا في موضوع معنى الحياة هم الفلاسفة وصاروا يغذون أسئلتهم بأسئلة أكثر مما يجيبون،ومن فلاسفة القرن العشرين كان هناك دور مهم للودفيج فيتجشتاين وكتاباته حول الحياة وكان تركيزه لغوي ومن ثم جاء دور نيتشه الذي قسم تحليله إلى أجزاء ومن بعده آرثر شوبنهاور الذي رأى في غموض مفهوم الحياة معنى لها ،وبما أن هناك عدم إدلاء بأجوبة تامة من قبل أهل الفكر والفلاسفة قام الكاتب بأخذ مثال لقضايا الإرهاب وأوضح ما سيقوله من ينتمون للرأسمالية والماركسية و الأرسطية ونهجية بول سارتر وغيرها من التيارات المعروفة وأيضاً ما تحويه الروايات والكتب الدبية من أطروحات،والكاتب إختار هذه القضية وأيضاً الحروب كالحرب العالمية ولأزمات الاقتصادية لأن الإنسان قد تحوجه المصائب إلى التفكير في معنى الحياة،ومن هنا بدأ الحديث عن الدين في صفحات الكتاب،فمن بعد التوجهات الفكرية والمادية صارت هناك مطالبات بنوجهات روحانية،وهناك من قاموا بإستغلال عوز الجماهير للنقاء الروحي فقاموا بأعمال تتنافى مع ما تنادي به الأديان،فصار هناك تكسب مادي بأمر من الجشع في بعض الحالات،وصار هناك دجل على الطرف الآخر أي الفلسفي وتم فيه أيضاً إستقطاب الجماهير لنهب الأموال،والكاتب حارب هذا الزيف وندد به،وهذا التحايل وصل للرياضة من خلال أجواء التعصب للأندية،وفي نهاية الفصل أورد مراجعه ولا غرابة في أن يكون هذا الفصل بهذا الطول فهو الركيزة لما يتبعه،وفي الفصل الثاني (إشكالية المعنى) كان معظم الحديث يدور حول علاقة السياق بالمعنى وهل لو إنتزعنا الكلمة من سياقها تغير معناها،فكان هناك تعريف للمعنى يقول بإنه "وظيفة الكلمة داخل منظومة لغوية" ويرافق هذا التعريف الطريقة التي قيلت بها الكلمات شاملة نبرة الود أو الكره أو التهكم أو التعجب،فالنبرات تمسك بخيوط العبارات،لهذا أتى الكاتب بمثال من مسرحية (ماكبث) يتعلق بالمعاني والمقاصد بالإضافة إلى كتابات آرثر ميلر،وتم إلحق أسماء المراجع في نهاية هذا الفصل،وفي الفصل الثالث (خسوف المعنى) كان هناك إقتباس من مسرحية (الشقيقات الثلاث) لأنطون تشيكوف وفيه تم أخذ هذه العبارة "إن الثلج يتساقط"،وعرض الكاتب تفسيرات عديدة لهذا المقطع القصير جداً وهذا ما يذهل العقول وهي تفاجئ نفسها بتحليلاتها،ومن كانت هناك أمثلة على أعمال الشاعر تي إس أليوت وهي ميدان شاسع لهذا النوع من التساؤلات ومحاولة العثور لها على إجابات،وطبعاً كانت هناك مسرحيات صمويل بيكيت وهي دوماً تكون غارقة في البحث عما هو مفقود وعن معنى الوجود وهي كثيراً ما تذكرنا بأساليب الفلاسفة ولكنها أدبية الصياغة،ومن بعد قائمة المراجع كان هناك الفصل الرابع وهو (هل تكون الحياة كيفما نشكلها؟)،وسنلاحظ بأنه لا يوجد حتى الآن تفسير متفق عليه لمعنى الحياة ولكنه كان محور أغلب الصفحات السابقة،وحان الوقت للتركيز على الحياة ذاتها،ويعود جدل المعاني ومتعلقاتها،وفجأة بدأت تقسيمات للحياة :فردية وجماعية،بدنية وعقلية و روحانية،وبين طيات الكلام دخلت كلمة "السعادة" وهذا ليس بالأمر الغريب فالأديان تحدثت عنها وكذلك الفلاسفة وأيضاً من توجههم عقلاني بالدرجة الأولى،وهذا الفصل أيضاً وردت فيه كلمات مثل "الفضيلة" و"الإنسانية" وهذا يعني مواصلة التطرق إلى موضوع الصراع بين الخير والشر وما هية الأخلاق ودورها و الوعي الإنساني فكان هناك استدلالات على ما قاله فلاسفة اليونان وما ناقشه المفكرون وما نادى به النبض المجتمعي،وحال هذا الفصل هو كحال من يلهث للتداوي من بعد مراحل عديدة مر به ويتمنى أن تتحسن عافيته.

وفي النهاية كتاب (معنى الحياة-مقدمة قصيرة جداً) للمؤلف تيري إيجلتون فيه عالم ما زالت عنده الرغبة في أن يقول للحياة بأن جدرانها ستتحمل خربشاته .

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق