الخلافات السياسية بين الصحابة > مراجعات كتاب الخلافات السياسية بين الصحابة > مراجعة مبارك الهاجري

الخلافات السياسية بين الصحابة - محمد بن المختار الشنقيطي
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

كتب كثيرة عرضت موضوع الفتنة وخاضت فيه؛ لكنها ـ حسب قراءاتي ـ لم تكن بسلامة النهج، والميل إلى الموضوعية ككتاب الشنقيطي هذا الخلافات السياسية بين الصحابة، وهو " رسالة في مكانة الأشخاص وقدسية المبادئ".

وفي أمر سلامة النهج والميل إلى الموضوعية ترجيح عقلي لا تأثير انطباعي؛ لأنه في النهاية يخلص كما تخلصُ أنت أيها القارئ إلى تلك القيمة التي هي نتيجة بحد ذاتها في التوازن بين قداسة المبدأ وفضل الأصحاب، وهذا في نهاية الأمر لا يعني أن مبدأً ما أو قيمةً ما وضعها الشرع يصح الغض منها تبريراً لخطأ صحابي من باب الذب عنه، كما أنَّ تلك القيمة مع قداستها لا يمكن أن تشطط بنا في رأي فتدفعنا إلى أن نغض من فضل ذلك الصحابي مثلاً فنصل إلى مرحلة خطيرة من النقد الذي يهبط إلى ما دونه من السباب والشتم، وهذا يجعلنا نقول بخلاصةٍ عن خطأ أحدهم ــ رضي الله عنهم ــ أنه أخطأ ولا نبرر له ولا نتأول؛ لأن ذلك التبرير والتأويل بابٌ كبير إلى اختلاف ومفسدة ليس لها إلا أن تزيد في شق ثوب هذه الأمة، هو أخطأ؛ لكنه غُفر له كمسطح بن أثاثة حينما خاض في الإفك وهو بدري، فأقيم عليه الحد؛ ولكنا جميعاُ نعرف فضل أهل بدر ووعد الله لهم.

الشنقيطي هنا يستقرئ قواعد لابن تيمية مهمة للدخول إلى ذلك المعترك عن علم وعدل، حتى يخرج الباحث أو الدارس بنتيجة حقيقية منطقية لا أثر لنزعةٍ عاطفية عليها، ومنها كانت البداية في أن تؤخذ الروايات من المحدثين لا المؤرخين؛ لأن المحثين كما يعرض الشنقيطي: " اعتادوا على منهج الجرح والتعديل، وهذا العلم متأسس على اعتبار قدسية المبادئ الشرعية فوق مكانة الأشخاص مهما سموا".

ويحق للقارئ قبل أن يدلف إلى تلك القاعد أن يتساءل: لماذا ابن تيمية؟

لم يغفل الشنقيطي ذلك، وأجاب: " لأن جهده متميز من حيث الكم في موضوع الخلافات السياسية في كتبه منهاج السنة بمجلداته التسع، و الفتاوى، ومتميز من حيث الكيف لأنه استطاع إلى حد كبير أن يجمع بين الدفاع عن مكانة الصحب الكرام رضي الله عنهم والدفاع عن قدسية المبادئ الإسلامية الجليلة، وهذه معادلة أعيت الكثيرين". ومن ضمن الأسباب التي ذكرها أيضا: " أن كثيرين ممن ينتسبون إلى مدرسة شيخ الإسلام في هذه الأيام ويعلنون تبني منهجه لم يدرسوا ما كتبه دراسة استقرائية مستوعبة، ولم يدركوا خاصية الاتزان والاعتدال التي اتسم بها منهجه، وكذلك لأن شيخ الإسلام حذر من الدفاع عن الحق بباطل وأن ترد البدعة بالبدعة بسبب الجدل وردود الأفعال غير المتزنة ممن يظن أنه يدافع عن الصحابة فيتبنى ما يشطط به عن الحق، وكذلك لأن ابن تيمية ميز بين الخلافة والملك بوضوحٍ لم يسبقه إليه أحد، وأعلن أن خبره صلى الله عليه وسلم بانقضاء خلافة النبوة فيه الذم للملك والعيب له".

ومن الاثنين وعشرين قاعدة التي استنبطها الشنقيطي من كتابات ابن تيمية تلميحاً أو تصريحاً:

التثبت في النقل والرواية

استصحاب فضل الأصحاب

التمييز بين الذنب المغفور والسعي المشكور

التمييز بين المنهج التأصيلي الذي ينطلق من المبدأ ويحاكم الناس إليه والمنهج التاريخي الذي يصف التجربة العملية ويقيس بعضها على بعض.

الاعتراف بحدود الكمال البشري

الإقرار بثقل الموروث الجاهلي على الصحابة، وأنهم متفاوتون في التخلص من هذا الموروث.

عدم الخلط بين المشاعر والوقائع

الابتعاد عن السب واللعن

الابتعاد عن التكفير والاتهام بالنفاق

إدراك الطبيعة المركبة للفتن السياسية

التركيز على العوامل الداخلية؛ لأنها الأساس في تشرب الفتنة، كتلك الأخطاء السياسية التي حدثت أواخر خلافة عثمان وحب من خرج عليه الدنيا وإيثار أمرائه للدنيا أيضاً وفيض المال والتغير الاجتماعي الحاصل جراء ذلك.

اجتناب الصيغة الاعتقادية للخلافات الفرعية

والتمييز بين السابقين وغير السابقين من الصحابة

والابتعاد عن منهج التهويل والتعميم، وغير ذلك مما لا يسع المقام ذكره، ثم لا يغفل الشنقيطي أن يعرض بعض الملاحظات الصغيرة على منهج ابن تيمية، فيخلص بعد ذلك إلى منهج ابن عربي ومسألة التشيع السني ويبين المآخذ عليه من إنكاره لبعض الحقائق بما يتفق ورؤيته، مثل إنكاره لقتل مروان بن الحكم طلحة رضي الله عنه وهو في جيشه، ومدافعته عن تفسيق الوليد بن عقبة، وتصحيحه لحديث عن معاوية رضي الله عنه وقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيه:" اللهم اهدِ به". وغير ذلك من حكمه على المواقع والأشخاص كمروان ويزيد.

ثم يثني عليه حين يتكلم في تلك الأحداث بمهنته مهنة القضاء في بعض مسائلها لأنها أقرب إلى الحق من تأوله المتكلف فيما ذكر من قبل.

عدا ما قلتُه قبل فإن الكتاب، سهل العرض، سلس في انتقالاته من باب إلى آخر، وافي في شرح فكرته وعبارته، وقد قدم له المفكر الإسلامي راشد الغنوشي بعنوان صغير: " كتاب جدير أن يُقرأ وتعاد قراءته".

ولولا خشية الإطالة لأسهبت أكثر؛ لأن الكتاب الجيد يهذي قارئه به مع محبي القراءة أو من يهتم بموضوع الكتاب؛ ولما وجدتني كذلك أدركت أنه جديرٌ حقاً أن يقرأ وأن تعاد قراءته ويُعطى مثل هذا التقييم.

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق