ترانس كندا > مراجعات رواية ترانس كندا > مراجعة أحمد المغازي

ترانس كندا - سماح صادق
أبلغوني عند توفره

ترانس كندا

تأليف (تأليف) 3.4
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
2

الجزء الأول من الرواية المعنون "فيما قبل الهجرة" كان مبشرا بالنسبة لي، إستعرضت فيه الكاتبة خمس شخصيات مقدمة مدخل لفهم حالة كل منها و كيف إنتهت بهم السبل إلى كندا، و هي بداية ذكرتني نوعا بسفينة نوح لخالد الخميسي –التي أحببتها كثيرا- و الشخصيات بإختصار هي:

- يوسف: إبن لرجل أعمال ثري و مدمن للمخدرات، يلجأ والده لتهريبه إلى كندا بعدما تسبب في مقتل شخص بسيارته أثناء فراره من مطاردة الشرطة بعد كسره لكمين أمني رفض التوقف فيه لوجود صديقته الأسبانية ميتة بجواره إثر تعاطيها لجرعة زائدة من المخدرات قبل أن يتخلص من جثتها في مقلب للقمامة!

- إيمان: إبنة الطبقة الفقيرة جدا التي تكافح لتكمل تعليمها، و تعمل بالسياحة حيث تتعرف على يوسف و تنشأ بينهما قصة حب عنيفة تنتهي بتدخل أهله لإبعادها عنه، و التي تلجأ للسفر لكندا بحثا عن مستقبل أفضل، و على أمل الإلتقاء بيوسف لوصل ما إنقطع بعيدا عن ضغوط أهله في مصر.

- هاني: الشاب المصري الفقير الذي يقبل الإرتباط بديان الكنية التي تكبره بعشرين عاما، لتحقيق حلم الهجرة إلى كندا.

- حلا: بنت الطبقة العليا التي يلجأ أهلها لإرسالها لتكمل تعليمها في كندا لإبعادها عن حبيبها حاتم الشاب اليساري الفقير.

- نهى: التى تسافر إلى كندا مع زوجها طاهر الطبيب الناجح الوسيم، الذي تكتشف عجزه الجنسي أثناء شهر العسل لكنها تقرر الإستمرار معه خوفا من فكرة الطلاق و وصمة الفشل.

ثم يأتي الجزء الثاني من الرواية المعنون "هجرة أخرى" و الذي تصير فيه إيمان البطلة المطلقة للرواية و باقي الشخصيات يأتي دورها عندما تتقاطع معها فقط ،بخلاف شخصية حلا التي لا يأتي لها ذكر إلا في صفحتين إثنين حيث تقابلها إيمان لتوصل لها هدية من حاتم فتصارحها حلا بأنها فقدت الإهتمام به و أنها تعيش قصة حب سعيدة مع "صديقها" الكندي ثم تختفي من الرواية بعد ذلك، فلا تدري ما السبب في إقحامها بها من البداية!

تبدأ إيمان حكايتها في كندا من نقطة متقدمة حيث نكتشف أنها "تزوجت" من كندي إسمه آلان، و أنها ليست سعيدة معه فتقرر هجره ذات صباح، و هكذا نجدها تلملم أشيائها مستغلة غياب "زوجها" في عمله، و تأخذ السيارة لتنطلق بها فى رحلة من أقصى البلاد لأقصاها عبر طريق ترانس كندا لتبدأ حياة جديدة، و خلال هذه الرحلة بمحطاتها العديدة تسترجع إيمان بطريقة الفلاش باك أهم مجطات حياتها التي قادتها لهذه النقطة.

*القادم فيه حرق لأحداث الرواية، كما أنه...إحم... للكبار فقط.

من خلال تداعي الذكريات نتعرف أكثر على شخصية إيمان، من نشأتها الصعبة في العشوائيات، لإنتحار أمها حرقا أمام عينيها، لمعاناتها مع زوجة أبيها، لمثابرتها حتى أكملت دراستها في كلية السياحة و الفنادق، لتتجه بعد التخرج للعمل بأحد فنادق شرم الشيخ، لتعرضها للتحرش من قبل مدير الفندق و صدها لكل محاولاته رغم الإغراءات العديدة، للقائها بيوسف و وقوعهما في الحب رغم كل الفوارق الطبقية، لتوثق علاقتهما مع محافظتها على عذريتها حتى يتم زواجهما –أو ربما هي رغبة يوسف في الحفاظ عليها كالشيء النقي الوحيد في حياته كما كانت تقول- لإضطرارها للإبتعاد عنه بعد تهديد أهله لها، ل...

و لنا هما وقفة، فحتى هذه النقطة كنت أرى إيمان بنت مكافحة طموحة تتحدى ظروفها الغاية فى الصعوبة و القسوة، محاولة أن تشق طريقها الخاص في الحياة، كان مأخذي الرئيسي عليها هو فارس أحلامها الذي يجمع كل نقائص الكون تقريبا، و كانت هي تتجاهل كل هذا لمجرد حبه لها و حبها له، إلا أن فراقهما كان تقطة تحول في الشخصية، فالبنت التي كانت ترفض الإستجابة لمديرها رغم إغراءاته، و التي لم تتورط مع حبيبها في "علاقة جنسية كاملة" على حد تعبيرها، تستسلم لأول إغراء يقابلها من صديقها الذي أسمته عاشق فيروز، ثم تتوالى علاقاتها من بعده حيث تقول: (هناك تعرفت على عاشق فيروز و الكثيرين غيره، ورطت جسدي في عدة علاقات، كانت تضعفني فكرة أنني لن أرى حبي الوحيد مرة ثانية، و أن كل الرجال بعده متساوون).

فتتخذ من فكرة فشل قصة حبها ذريعة للإستسلام لكل رجل يقابلها بحجة أن كل الرجال صاروا متساوون! و تبرر هذا بأنها تنتقم من نفسها، و لا تعاني جراء ذلك إلا من بعض نوبات تأنيب الضميرالتي تتغلب عليها بسهولة و تكمل حياتها عادي!

ما علينا، المهم تأتي فكرة السفر لكندا هربا من الواقع الذي تكرهه و أملا في لقاء يوسف و وصل ما كان، و تنجح فعلا في السفر بحجة السياحة، و هناك تقيم أولا في فندق تمتلكه ديان و زوجها المصري هاني، و تلتقي بيوسف الذي نعرف أنه يكمل مسيرته الإجرامية في كندا بنجاح، حيث يعمل نهارا في بنك يستغل وظيفته فيه في تسهيل منح القروض بضمانات وهمية مقابل عمولات و رشاوي، و يعمل ليلا كتاجر للمخدرات بخلاف إدمانه لها بالطبع!

يجدد لقائهما الأشواق، و يقرران الزواج –ما جمع إلا ما وفق الحقيقة!- دون معرفة أهله، و يعيشان في هناء لا ينغصه إلا بعض مضايقات من الشرطة – مخاطر المهنة للأسف! – و هو ما لا يزعجها كما لا يزعجها إدمانه للمخدرات التي صارت تتعاطى بعضا منها معه إلى جانب مختلف أنواع الخمور بالطبع، حتى يتدخل القدر لإنهاء هذه العلاقة "المثالية" حيث يتوفى يوسف إثر تعرضهما لحادث تصادم و تصاب هي بإصابات عديدة،وعندما تفيق منها تكتشف أن أخو يوسف إستولى على ورقة زواجهما و ترك لها مبلغ مالي على سبيل التعويض.

تخرج إيمان من هذه التجربة بجراح جسدية و معنوية، و بشعور بالهشاشة و الإحتياج لسند في غربتها فتلجأ لهاني –زوج ديان- الذي يكون لها خير المعين، فيقضي لها مشاويرها و يتسوق لها و يبحث لها عن عمل و يساعدها في رفع قضية على المدينة لطلب تعويض عن الحادث، و هي في المقابل لا تجد ما ترد به كل جمائل هاني عليها سوى... أن تنام معه!

هكذا ببساطة، فهي كما تقول (و ماذا أفعل إذا كنت دائما مطالبة برد و دفع عطايا كل من أعرفهم من جسدي، لا بأي طريقة أخرى؟) مبرر مقنع جدا بصراحة!

ثم يحدث أن تعرف ديان زوجة هاني بعلاقتهما، فتقابل إيمان و تطلب منها أن تستمر في العلاقة مع أن تتعهد لها بألا تتطور لأكثر من ذلك و ألا يتخلى عنها هاني!

تحس إيمان بالذنب –أخيرا!- و تقرر الإبتعاد عن هاني، إلا أنها تكتشف أنها حامل منه، فتقرر إجراء عملية إجهاض، و في هذه الفترة تنشأ صداقة بينها و بين نهى –زوجة طاهر- التي إختارت الإستمرار مع زوجها رغم عجزه، و جربت أن تخونه مرة إلا أنها لم تستمتع، فقررت أن مسألة الجنس هذه مبالغ في تقييمها، و تقبلت مصيرها بصفاء لا ينغصه إلا رغبتها في الإنجاب التي تسعى لها بكل الطرق المعملية.

بعد هذا تقابل إيمان آلان الكندي الذي يعرض عليها الزواج فتوافق رغبة في الحصول على الإقامة –بالنسبة لمسألة إختلاف الأديان؟ لا تشغل بالك المؤلفة لم تهتم بأن تبررها حتى!- لتعيش معه لسنوات قبل أن تقرر بأنها ليست سعيدة معه نظرا لإختلاف شخصياتهما فتقرر هجره، لنصل للنقطة التي بدأت منها الحكاية.

يجب التنويه أن كل ما فات مروي بلا أي ترهل و بأسلوب في غاية السلاسة و لغة متميزة، حتى في المقاطع التي تتناول الجنس كانت اللغة و الأسلوب و الوصف في غاية الرقي و بعيدة تماما عن الإبتذال أو الفجاجة، إلا أن هذا يجرنا لمشكلتي الخاصة مع الرواية، و هي أنني لم أستطع إبتلاع شخصياتها أو أن أجبر نفسي على تفهمها أو التعاطف معها على الإطلاق، الشخصية الوحيدة التي إلتمست لها بعض العذر هي نهى نظرا لصعوبة موقفها، و إستيائي الشديد من موقف زوجها، لا يجعلني هذا موافقا على تصرفاتها، لكنني أستطيع تفهمها على الأقل.

شخصية يوسف تمثل لي كل ما أكره في هذه الدنيا تقريبا، شخص مدلل عابث غير مسئول نذل ضعيف منحرف عديم القيم مختل المعايير، و فكرة أن إيمان ترى فى هذا الشخص فارس أحلامها الذي تقول عنه في مقارنة مع هاني: (لم يكن فيه أدنى لمحة من يوسف، أو ذرة من رجولته و شخصيته) و تقول في رثائه: (الرجل الذي أحببته يدمن الرحيل..في المرة الأولي تركني و سافر، و في الثانية صعد إلى السماء. الرجل الوحيد الذي حلمت بالبقاء في محرابه حتى الموت، سبقني له، فماذا أفعل إذا كان الرجال كلهم بعده سواء؟!)

هذا المقطع على سبيل المثال يوضح مشكلتي بالضبط مع الرواية، لغة عذبة و تعبير جميل، و لكن ما المضمون؟ فكرة أن هذا الكلام يقال عن شخصية بإنحطاط يوسف تجعل وقعه على نفسي شديد الإبتذال!

أما عن شخصية إيمان نفسها فحدث و لا حرج، ما هذا الرخص؟ بعيدا حتى عن تقييمها بالمعايير الدينية، كيف تكون على إستعداد لأن تمنح نفسها لأي عابر سبيل بهذا الشكل الذي تبدى مثلا في الرجل الكندي الذي تقابله في بار أثناء إستراحة لها على الطريق، و توافق على دعوته لها لتشرب معه "كأسا"، و كيف تبين أنها على أتم إستعداد لإصطحابه معها لغرفتها لو عرض، إلا أن الرجل نفسه لم يكن يرغب في أكثر من الفضفضة قبل أن يذهب في طريقه تاركا إياها شبه محبطة!

عن نفسي أرى أن التعاطف أو إلتماس الأعذار لمثل هذا النموذج المشوه، فيه غبن عظيم للكثير جدا من النماذج المشرفة من عرب و مسلمين لجأوا للهجرة، و نجحوا في الإحتفاظ بهويتهم و قيمهم و أخلاقهم في مجتمعاتهم الجديدة رغم كل الصعوبات و المغريات، المشكلة هي أن الشخصية هنا مشوهة من البداية، و لا يمكنني أن أعزو ذلك لنشأتها الفقيرة و المفككة أسريا وحدها، لا يبدوا لي مبررا كافيا لتقبل كل إنحرافاتها و إعتبار أنها شخصية سوية طالما لا تؤذي أحدا على حد قولها!

و ما زاد و غطى بالنسبة لي هو الفصل الأخير من الرواية الذي سعت فيه الكاتبة لتبرير أفعال بطلتها وإلقاء اللوم على مجتمعها و قيمه، و دينه كذلك!

كما في فعلت مثلا في الفقرة الخاصة بذهابها لعمل مساج تستريح به من عناء رحلتها الطويلة في النهاية، عندما تختار أن يقوم رجل بعمل المساج لها –وهي عارية تماما- و كيف تكون محرجة بعض الشيء في البداية، و هو ما تعزوه "للإستيريوتايب" – على حد قولها - (ما إجتمع رجل و إمرأة إلا...) قبل أن يخلصها الرجل من حرجها "بإحترافيته و حياديته" فتأخذ في التساؤل:

(أي رجل و أي إمرأة؟ مهما كانت الفروق الجنسية و العمرية و الفردية و الإجتماعية و المادية بينهما، أي رجل و أي إمرأة! حتى لو كان هدف إجتماعهما لا يتطلب وجود الشيطان أصلا، مثل الطبيب و المريضة مثلا!!؟ أي رجل و أي إمرأة!!

في هذه المرحلة كانت كل الإسطوانات المحفوظة و القواعد التي تم تلقيني إياها من قبل المجتمع و الدين تبدأ في التهشم بعد كل تجربة.)

و أنا لن أناقش بالطبع هذه الأفكار شديدة التهافت التي توردها الكاتبة على لسان بطلتها، لكنني بالتأكيد أحب أن أبدي تحفظي على موضوع "تبدأ" في التهشم هذا!!

ختاما فإن تقييمي لهذه الرواية بدأ من أربعة نجوم و أخذ يتضاءل تدريجيا حتى إنتهى عند نجمتين إستحقتهم الرواية لجودة أسلوب الكاتبة و سلاسته و رهافة لغتها و جمال تعبيراتها، التي أراها للأسف أهدرت في عمل مشوه الأفكار فارغ المضمون، مع تمنياتي الصادقة بأن أقرأ لها أعمالا أفضل في المستقبل تستغل فيها موهبتها الحقيقية فيما يستحق.

Facebook Twitter Link .
3 يوافقون
4 تعليقات