العبيدُ الجُدد > مراجعات رواية العبيدُ الجُدد > مراجعة marwan.albalooshi

العبيدُ الجُدد - ياسر حارب
أبلغوني عند توفره

العبيدُ الجُدد

تأليف (تأليف) 3.4
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

هناك صنف من الأعمال الروائية التي تركت أثراً مفصلياً في تاريخ أرض جمهورية الرواية مثل "الشياطين" لدويستويفسكي، أو "آنا كارنينا" لتولستوي، أو "الأخوة كارامازوف" لدويستويفسكي مرة أخرى، أو "لوليتا" لفلاديمير ناباكوف، أو "مائة عام من العزلة" لغابرييل جارثيا ماركيز، أو قصص ريموند كارفر القصيرة أو قصص خورخي لويس بورخيس المنمنمة. وهناك صنف آخر من الكتاب ينالون شهرة فورية ثم ينقشع وجودهم وأثرهم بسرعة من سماء جمهورية الرواية مثل باولو كويلهو، وتوفيق الحكيم، وأنيس منصور....وغيرهم. وهناك صنف آخر من الكتاب، الذين يحركهم طموح عظيم ورغبة بالعطاء والابداع، ولكنك تتمنى أن يتمهلوا قبل نشر أعالمهم الروائية الأولى، ومن هؤلاء : الكاتب الإماراتي ياسر حارب.

نشر ياسر حارب (35 سنة) باكورة أعماله الروائية "العبيد الجدد" قبل فترة شهر أو أقل في معرض الشارقة للكتاب. شخصيات الرواية الرئيسية هم : وائل (وهو الكاتب والمقاتل والعاشق)، شوق (حبيبة وائل)، خالد (مستشار الملك ومدير ديوانه) الملك بزاز (وهو من العائلة الحاكمة، حارب الملك السابق مع بقية الشعب طلباً لحياة أفضل، فلما تولى الحكم أصبح ديكتاتوراً كالملك السابق)..هؤلاء هم الشخصيات الرئيسية بجانب شخصيات فرعية أخرى، وطبعا لا ننسى المتحدث الرئيسي في الرواية وهو الراوي بطبيعة الحال. ويتحدث الراوي في الغالب بضمير الغائب، رغم أن القاريء قد يصل في نهاية الرواية للقناعة بأن الراوي هو نفسه الكاتب ياسر حارب.

*إذا لم تكن تعرف ماهو تعريف الراوي ودوره في الراوية، فانقر هنا :

****

ماذا عن أحداث الرواية؟؟ أذكر باختصار أن الرواية تبدأ خلال ثورة شعبية يقوم بها شعب مملكة عربستان (اختيار اسم البلد غريب، عربستان هو الاسم الذي يطلقه الإيرانيون على السعودية) ضد الملك، والذي يلقبه الشعب بالطاغية (ألا يوجد اسم آخر أشد وقعاً على الأذن يعبر عن معاناة الناس، أو حتى لقب مرح وساخر)، يلتقي في هذه الأثناء "وائل" بــــ "بزاز" وهو أحد أمراء الأسرة المالكة من الدرجة الثانية حيث أن أمه تنحدر من قبيلة ضعيفة الشأن كانت من الخدم الذي يعملون تحت وطأة الأسرة الحاكمة، مما تسبب بتمييز عنصري ضد بزاز (تنتشر مثل هذه الممارسات في المجتمعات الخليجية) أدى هذا لأن يعيش بزاز سنوات طويلة خارج عربستان ولإبعاده عن ولاية العهد في مملكة عربستان. يلتقي وائل ببزاز وبخالد والصحفية الشابة شوق في بداية أحداث الثورة التي ستنتهي سريعاً بانتصار الشعب وتنصيب بزاز ملكاً على عربستان.

وبتنصيب بزاز ملكاً، يبدأ وائل وهو الصحفي والكاتب المستنير والذي ساند الثورة بكتاباته في صحيفة الوقت المعارضة (كان ياسر حارب ينشر مقالاته في صحيفة الوقت البحرينية بجانب جريدة البيان الإماراتية) بالكتابة عن مواضيع تنموية يستحث فيها أبناء وطنه اللحاق بالنهضة الحضارية الموجودة في مدن مثل سنغافورة ودبي...

وفي يوم ما اقترح وائل مشروعاً مربحاً سيجلب الكثير من المال والاستثمارات الاجنبية لعربستان، ألا وهو توسعة القناة المائية التي لا يذكر الراوي اسمها، بل تدخل أحداث الرواية فجأة (يذكرنا هذا بتوسعة خور دبي في القرن الماضي) لتخدم التجارة والاقتصاد في عربستان بحكم موقعها الحيوي. يتصل خالد بوائل معرباً له عن اعجابه بفكرته ورغبته بتحقيقها، يشير وائل على خالد بأن يتصل بأحدى الشركات الاستشارية العالمية لتقوم بتجهيز دراسة جدوى عن المشروع وتقديمها للملك. يوافق خالد ويتم تقديم الدراسة للملك الذي ينبهر ويوافق، رغم امتعاضه من مقترح خالد بأن تقوم حكومة شرقستان (وأعتقد أن القاريء الذكي سيفهم فيما بعد أن شرقستان هي إيران) بتمويل توسعة القناة (تشترط حكومة شرقستان على عربستان شروطاً مهينة نظير القيام بذلك). ينجح المشروع، ثم يتم إطلاق مشاريع أخرى (تذكرنا بفورة مشاريع دبي في بداية الألفية الماضية) وتبدأ عربستان بسرعة في احتلال مكانة مرموقة على الخارطة الاستثمارية والاقتصادية العالمية. وفي هذه الأثناء تقوم حكومة عربستان بإرسال وائل وشوق إلى فرنسا للدراسة في كلية أنسياد العالمية والمعروفة بتفوقها في مجالات البيزنس والإدارة والتخطيط، ويذكر الرواي بوضوح أن هذه الخطوة تتم اقتداءاً بحكومة دبي.

هناك تبدأ قصة حب وائل وشوق وهناك أيضاً يلتقي وائل بأمير آخر من الأسرة المالكة يتميز بشخصيته المتفردة والمختلفة عن باقي الأمراء وهو فيصل والذي سيكون له شأن كبير في آخر الرواية. في هذه الأثناء يرتفع شأن خالد ويصبح المسؤول الأول في المملكة، يسانده فريق عمل متكامل من أفضل شباب عربستان، كما أنه يبدأ بالتدخل في شؤون الأسرة المالكة وشؤون القصر ومن أهمها تعيين ولي العهد القادم للمملكة (يخبرنا الراوي بقصص نميمة غريبة عن أبناء الملك بزاز، فالأبن الثاني مدمن على المخدرات بسبب مؤامرة داخل القصر ويتم إبعاده عن الحكم، وبعضهم من الشواذ جنسياً...الخ). يواصل الراوي سرده المسطح ليخبرنا أن خالد يطلق مشروعاً آخر وهو محفظة مالية ضخمة تتاجر بأموال حكومة وشعب عربستان. تنهار المحفظة ويخسر الناس ودائعهم ويربح خالد أموالاً طائلة......الخ ثم يواصل الراوي سرده الرتيب والمتوقع، يجب التنويه بأن شوق ووائل قد بدأ بتبادل رسائل حب وغرام، وذلك أيضاً بعد أن حول وائل توجهه من الكتابة الإدارية والتنموية والاقتصادية إلى الكتابة الأدبية (كياسر حارب في السنوات الأخيرة؟؟) لينال شعبية متصاعدة يحسده عليها باقي كتاب ومثقفي عربستان.

فجأة وفي يوم من الأيام تغزو شرقستان (إيران) عربستان ويهرب أعضاء الأسرة الحاكمة خارج البلاد ونكتشف أن خالد هو في الحقيقة عميل شرقستاني (إيراني)، وأن حكومة شرقستان كانت تنتظر فرصة احتلال عربستان منذ سنوات لتعيد إحياء الامبراطورية الشرقستانية الغابرة وتبدأ أعمال القتل والاغتصاب...الخ ثم يخبرنا الرواي ببدء أعمال المقاومة العربستانية التي ينظمها الكاتب العاشق والمحارب وائل ضد قوات الاحتلال الشرقستانية، ويتم القبض على وائل وإرساله سجيناً إلى شرقستان، ثم تقود الولايات المتحدة الأميركية تحالفاً دولياً لتحرير شرقستان من عربستان (مثل حرب تحرير الكويت يعني) ويتم تحرير عربستان في فترة قياسية نتيجة لتخلف وضعف مستوى الأسلحة الشرقستانية المصنعة محلياً هناك، ويتولى فيصل حكم عربستان.

ثم يتم إطلاق سراح وائل من سجون شرقستان بعد أن فقد عينه هناك. يعود وائل للبلاد ويعرض عليه الملك الجديد العمل معه، ولكن وائل يرفض وينهي الرواية بهذه الجملة : أريد ان أكتب وأدرس .. فيسأله الملك الجديد فيصل، ماذا ستعلم؟ .. ليجاوب وائل : أريد أن أعلم اﻷجيال الشابة كيف يعيشون أحراراً لا عبيداً ...

هذا هو مختصر أحداث الرواية الرئيسية، سأنتقل الآن لتقييمي لها كقاريء وكيف شعرت وفكرت لدى قراءتي لها.

كانت توقعاتي التي صاحبت شرائي للرواية عالية، فالكاتب معروف ومشهور، وهو يكتب مقالاً أسبوعياً بشكل دائم وبلا انقطاع منذ 8 أعوام تقريباً. إذن نستطيع أن نقول انه حصل على فرصة كافية جداً للتدرب على الكتابة، والحق أن ياسر كاتب مقال متميز، صحيح أنني لا أتفق مع الكثير من الأفكار التي يطرحها، (وأرى أنها مكتوبة بحيث توافق ذائقة وقدرة الجمهور على الاستيعاب والتحمل والتقبل مما يفقدها في أحيان كثيرة للعمق أو المصداقية الفكرية)، ولكن هذا لا يعني أن لا نذكر أن الرجل استطاع ان يتميز ككاتب مقال أسبوعي، واستطاع ان يطور من نفسه كثيراً منذ بداياته في 2006 إلى الآن.

ولكن ماذا عن الرواية؟ قرر ياسر أنه يريد أن يكون أديباً، واختار الرواية من بين فنون أدبية عديدة، والرواية عالم بحد ذاته، له تقاليده وأعرافه، كما أن له شيوخه الذين كتبوا أعمالاً مفصلية نستطيع أن نقول أن الرواية كانت "قبل" هذا العمل في حال معين، وأصبحت "بعده" في حال آخر. وأذكر هنا وصف الروائية الإنجليزية أنتونيا بيات لرواية "جبل السحر" التي كتبها الشيخ الألماني توماس مان، بأنها "لقد غيرت جبل السحر تضاريس وإمكانيات وآفاق الرواية العالمية، إنها تحفة فنية مختلفة عن الأعمال الأخرى، وهي قادرة، إن تعلمنا أن نقرأها بحسب شروطها وتفردها، أن تقودنا للعمق والسعادة والمرح، تشكل هذه الرواية إضافة جديدة للغة والتواصل البشري، إنها طريقة جديدة للنظر في الأمور والحياة والفكر". والرواية هي جمهورية متكاملة كما تقول الناقدة الأمريكية-الإيرانية آزار نفيسي (لها كتاب بنفس العنوان)، هي أرض كبيرة وجميلة وفاتنة يدخل إليها الروائي بصحبة من سبقوه من روائيين كبار أو غيرهم.

إذن الفن الروائي له أصوله وممارساته وتقاليده الممتدة منذ القرن الثامن عشر. هل أتت رواية العبيد الجدد ضمن هذا التقليد العريق؟ الجواب ... لا

هل هذا يعني أن هذه مقاربة نخبوية للأدب، بالطبع لا .. فلكل شيء أصوله وتاريخه وتقاليده ومستوى معين، ونحن لا نستطيع أن نحذف تاريخاً كاملاً وتقليداً راسخاً وفناً رفيع المستوى، بدعوى الوصول لجماهير الناس، بل إن أعمال هؤلاء الروائيين الكبار باعت ملايين النسخ كما حققت انتشاراً كبيراً، وخصصت لهم الجوائز الكبرى مثل نوبل للآداب، وجائزة الغونكور، والبوكر وغيرها....الخ قد يقول القائل أن البيئة العربية لا تزال متخلفة كباقي العالم الثالث، وأن الوصول للناس بهدف تنويرهم وتوعيتهم له الأولوية على حساب العمق الفكري والجمال الفني والحساسية اللغوية وعبقرية البناء الروائي....الخ

النقاش طويل ومرهق، وأقول باختصار...أن الأدب وبالذات الرواية ليسا أدوات لنشر الوعي الجماهيري والتنوير والتقدم...الخ

الرواية ليست جهاز بروباغندا حتى وإن كانت النية طيبة والرسالة حسنة....إن فعلنا ذلك فنحن نقتل استقلاليته وسيادته كفن، ونقتل ما هو جميل وعميق وأصيل فيه، ونحوله لمجرد خادم لمخططات ونوايا لا علاقة له بها. وهذا ما دفع فلاديمير ناباكوف إلى الاعلان بصراحة أنه لم يكتب رواياته بقصد نشر الوعي الاجتماعي والاخلاقي أو التنوير...الخ بل حباً وتمتعاً في هذا الفن العظيم.

طيب..ما هي مآخذي على رواية ياسر سواء من الناحية الفنية أو في الرؤية الأخلاقية والنفسية التي تطرحها؟ سأبدء من الفصل الأول الذي أجاد فيه الراوي سرد الأحداث بسرعة وسلاسة. لاحظت استخدام سورة الأعراف في النص (وهو ما سيتكرر لاحقاً)..وهو ما يذكرني باستخدام نجيب محفوظ لسورة الرحمن في روايته الجميلة "ميرامار" ولكن هل أجاد ياسر استخدام القرآن داخل النص؟ .. لماذا لم يكمل الراوي هذه التقنية في باقي الرواية؟

من الفصل الثاني يبدأ الراوي بالتخبط، ففي الصفحة 16 تتحدث فقرة كاملة عن طريقة استخدام أهل الجزيرة العربية لخشب العود بطريقة تذكرك بالتقارير الصحفية في الجرائد أو مقالات الويكيبيديا. الصفحة 18 من الفصل الثاني استدعت إلى ذهني ذكرى رواية أخرى تتحدث عن الخليج وهي "مدن الملح" للكاتب السعودي الراحل عبدالرحمن منيف. وهنا تبدء التساؤلات بين مقاربة العبيد الجدد للسياسة مقارنة بمدن الملح. لا شك أننا نعجز عن وضع مهارة ياسر حارب الروائي في نفس مقام عبدالرحمن المنيف، وهو أحد أفضل حكائي الرواية العربية المعاصرة وأحد أفضل من كتب الرواية السياسية في العالم العربي. ولكن ألم يستطيع ياسر أن يتعلم مهارة مهمة جداً لأي روائي كبير أجاد منيف استخدامها في مدن الملح؟ وهي رسم مناظر مشاهد روايته (landscape-painting) بدلاً من سردها بطريقة صحفية رتيبة جدا؟ سيتكرر السرد الصحفي الرتيب على مدار الرواية (مقدمة صفحة 48 مثال)، قبل أن يتسارع بشكل مفاجيء في نهاية الرواية.

ذكرت عبدالرحمن منيف ليس لأنه روائي معروف ورائع فحسب، ولكن لأن منيف تميز بين الروائيين العرب المعاصرين بقدرته على سبك حكايات جميلة على الطريقة التقليدية داخل رواياته، منيف حكاء جميل يشبه رواة القصص في المقاهي العربية قديماً. هذه القدرة على الحكي أفتقر إليها الراوي في رواية العبيد الجدد. يتكرر السرد الرتيب بنبرته الصحفية المسطحة في الصفحة 231-233 أو 336، وقبلها في صفحة 192-193 وغيرها من الصفحات... وعندما تتسارع أحداث الرواية في النهاية نتيجة لاحتلال شرقستان لعربستان، فإننا نجد تصويراً ميلودرامياً تقليدياً ومتوقعاً لما يفعله جنود الاحتلال الشرقستاني وبالذات في الصفحة 333، وهذه أمثلة واضحة من بين أمثلة أخرى.

كما أن التنقل بين الأحداث والأفكار داخل الفقرات نفسها ضعيف، وهذا يؤدي إلى اختلال ما أسماه الشاعر الإنجليزي سامويل كولريدج بــــ"التوازن السري داخل جسم النص".

ما أثار حفيظتي وغضبي حقاً كقاريء محب وعاشق للأدب، هو أن الرواية امتلئت بالكليشيهات المكررة.. شو يعني كليشيه؟ تعرف على الاجابة هنا :

****

افتح الكتاب على الصفحة 66 و67 لتجد فقرات تتحدث عن فرنسا بطريقة تذكرك بالأدلة السياحية التي توزع في مكاتب وكالات السفر، أو افتح قبلها الصفحة 21، وهذا غيض من فيض.

حسناً، ماذا عن الرؤية والأخلاقية والنفسية التي تطرحها الرواية؟ ... يجب أن أقول أن الراوي لم يقدر أن ينفذ إلى نفوس شخصياته بعمق، بل كان تركيزه وانجذابه إلى المظهر وخاصة الجسدي واضحاً، لا يوجد في هذه الرواية غوص في نفسيات الأبطال أو تصوير دقيق لحالاتهم النفسية في خضم أحداث الرواية المصيرية الهائلة (ثورة، غزو، مقاومة، تحرير، حب عنيف، تواجد الأبطال على قمة الهرم السياسي....الخ).

يتصف مثلاً تصوير شخصية وائل وهو الشخصية التي تكاد أن تدور حولها أحداث الرواية، بالغرابة. يبدو وائل خليطاً غير متوافق بين أفلاطون بهدوئه وصفائه الفلسفي العجيب، وبين كونه عاشقا يريد أن تحيطه بسرعة مشاعر الحب الدافئة بأي طريقة، وهو كذلك كاتب تنويري ناجح ذي شعبية هائلة يستأثر بنرجسية فاضحة بكل أضواء الشهرة، وثم ينتهي كمقاوم ناري يواجه تعذيب شرقستان كبطل جبار من أفلام الحروب والأكشن.

كما كان من الواضح أن المظهر الجسدي وشكليات المال والقوة والسلطة والشهرة والنفوذ والنجاح الوظيفي والعلاقات النافذة تجذب الراوي بشكل غريب أو لنقل زائد عن الحاجة، أي حاجة القاريء والنص نفسه.

ماذا عن الفلسفة التي تقف خلف الرواية؟ هل هذه الرواية هي "رواية أفكار" كما كانت روايات المعلم الكبير دويستويفسكي والشيخ توماس مان؟ أستطيع القول بأن ياسر حارب ملأ روايته بعدة محاور

1- حديث متكرر عن فنون الإدارة والتخطيط والاستراتيجية في مواضع متعددة من الرواية، والحقيقة أن بعض هذه التفاصيل تصلح كي يتعلم منها القاريء كيف يترقى وظيفياً كما في الفقرة الثانية من الصفحة 115...ولكن حباً بالله، هل تكتب الروايات لأجل هذا؟

2- يتصف الراوي في الرواية وبالطبع وائل من بين الشخصيات برغبة حارقة لمشاركة القراء آرائه عن الجنس، أو الحب، أو التنمية الذاتية، أو كيفية التعامل مع الغرب وغير المسلمين، وكيف يأكلون، أو كيف يستمتعون بالحياة. بشكل يجعلك تتذكر ما قاله فلاديمير ناباكوف عن الروائي الماهر وهو أنه ساحر، يسحر القراء بعيداً عن ملل أمور الحياة اليومية، الروائي الجيد لا يعلم القراء كيف يعيشون حياتهم اليومية أو كيف يفكرون.

3- تمتلأ الرواية بما يمكن تسميته "أخبار ونميمة القصور" فالرواي يخبر القراء بكثير من التفاصيل عن الملك بزاز وبالذات أولاده بطريقة تذكر القاريء الذكي بما يسمعه من أخبار الحش والنميمة في الصحافة الغربية عن العوائل الملكية حول العالم، وبالذات العالم العربي.

4- يقول وائل في آخر سطر في الرواية أنه يريد أن يعلم الأجيال الشابة "كيف يعيشون أحراراً..لا عبيداً". طيب ما هي الفلسفة التي يطرحها وائل لتحقيق ذلك؟ مجرد بناء الجامعات والمدارس وإرسال الشباب إلى أفضل كليات الإدارة في العالم؟ ..لا توجد إجابة واضحة. ولكن من الملفت للإنتباه أن الراوي في الفصل الثاني يصف شباب الثورة بـــ"صرخ الثوار صرخة جماعية، وانقضوا على الجنود وكأنهم قطيع من الجواميس الإفريقية الهائجة". هذا كان وصف هؤلاء الشباب الثائر، الذين يتحدث وائل في الصفحة 21 باسمهم قائلاً "نحن يا بزاز لا نريد الإطاحة بالطاغية لأننا فقط نكرهه ولكن لأننا نريد أن نضمن مستقبلاً أفضل لنا ولأبنائنا. لقد تجاوزنا مرحلة الكره" .. هنا يشعر القاريء بتناقض الرواية والنص، بتناقض رؤية الراوي وربما الكاتب نفسه.

5- وفي كثير من الأحيان تقفز أدبيات وعبارات التنمية الذاتية إلى نهايات الفصول أو إلى قلب الحوارات بين شخصيات الرواية، مما يجعلك تتساءل : هل يتحدث الناس هكذا في الحياة الحقيقية؟

6- ولا ننسى رسائل الخميس طبعاً.

7- من هم العبيد الجدد؟ هل هي الشعوب العربية؟ أم شباب ثورات الربيع العربي؟ ولماذا هم عبيد؟ وكيف نمنح لأنفسنا الحق بإطلاق لفظ العبيد عليهم؟ إن كانوا فعلاً عبيد فمن هم العبيد السابقون؟ .. فحوى ومغزى عنوان الرواية غير واضحين!!

حسناً أشعر بالتعب وأريد أن أتوقف. ولكن ما هو حكمي كقاريء على هذه الرواية؟ .. حسناً هذه الرواية ليست عالمية المستوى وليست حتى جيدة. نعم هناك مواضع في الرواية أجاد فيها الكاتب ولكن الغالب الأعم أنه لم يتقن كتابتها كما يليق بياسر حارب وكما يليق بفن الرواية.

يقول ياسر أنه يستمع أثناء الكتابة إلى الموسيقى التركية الصوفية، مثل هذه المقطوعة للموسيقار الجميل عمر فاروق :

****

هل يعلم ياسر أن عمر فاروق..أمضى الكثير من حياته وهو يتقن فنه، متشرباً ما انتجه شيوخ الموسيقى الصوفية والتقليدية التركية والفارسية والعربية والهندية..وهل يعلم أن قيم الصبر، والتركيز على الفن حبا فيه بغض النظر عن مانسميه عمق أو سهولة....الخ

فالفن الحقيقي واحد، وعدم الاهتمام بالترويج الجماهيري، هذه القيم هي التي صنعت فاروق عمر. هذا ليس تشكيكاً بياسر أو بموهبته بطبيعة الحال، ولكنها دعوة من قاريء يحب الأدب والرواية حباً حقيقياً لياسر أن يراجع تفكيره فيما يتعلق بالانتشار الجماهيري أو مستوى كتابته الروائية، نعم هذه رواية سيئة بكل المقاييس الحقيقية، ولكن ياسر قادر على تصحيح مسيرته بكل قوة

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
1 تعليقات