كانت صديقتي أشبه بمن يحادث نفسه وهي تقول :"هي السبب ...هي السبب ..تلك التي حررت المرأة"،وهي في حالة من التندر وأيضا الإنشغال،فهي لامت من قام بحث المرأة على العمل و من دعاها للتحرر لتقوم بذلك،فصديقتي كانت تحت ضغوطات وإلتزامات كبيرة ولكنها كعادتها كانت تهوى المزاح وإلقاء النكات،فأخبرتها إن من طالب بتحرير المرأة كان رجل وبإنه كان قاسم أمين،وكررت عتبها الطريف وعزت كل مصابها إليه ،وهنا تذكرت كتاب(تحرير المرأة) الذي أحدث ضجة كبيرة في وقته ،وهو الكتاب الذي أطلق فيه قاسم أمين دعوته والذي لامه الكثيرون عليه وعليها،ولومهم لم يكن على شكل هزلي كصديقتي وإنما كان نقدهم هو أقرب للهجوم،والمأخذ الأساسي الذي لم يرق لهم في الكتاب هو دعوة الكاتب النساء إلى نزع الحجاب حسب زعمهم وفهمهم،فهذا الكتاب أمسكت به عقول مختلفة ومنها عقول فصلت ما في الكتاب حسب تصوراتها المسبقة،ومنها عقول وجدت في الكتاب ضالتها وشحذت جهودها للدفاع عنها،ومنها عقول إحتارات في مقاصد الكاتب ولم تتبين لها رؤيته جيدا،ومنها عقول طابت لها بعض الأجزاء وإستفزتها الأجزاء الأخرى،والمفارقة الكبرى هي أن بعض العقول المعاصرة واصلت نقلها لتصورات العقول التي سبقتها و ربما دون أن تقرأ سطرا من الكتاب!
أمسكت بكتاب(تحرير المرأة) للكاتب قاسم أمين وطلبت من عقلي أن يفرغ نفسه من أي أحكام عرفها أو سمعها عنه،وما أخذت في ملاحظته تدريجيا هو أن الطابع الإجتماعي هو الغالب على الكتاب أكثر من الطابع الديني ،أقول هذا مع أن الكاتب تطرق للجانب الديني في قضايا المرأة و أورد آيات قرآنية وأحاديث نبوية ومصادر من السلف الصالح ليوضح أفكاره،ويرجع قولي هذا لكون الكاتب إعتمد منحى إصلاحي يحمل نقداُ إجتماعياً وهو يدلي بدلوه حتى في أمور مثل الحجاب والزواج والطلاق،وهي أمور خصص لها صفحات تفصيلية في كتابه لإنها من أبرز النقاط التي يتم الحديث عنها عندما تذكر كلمة "إمرأة"،والكاتب مستخدما مفردات عصره وأسلوب ذلك الزمان في الكتاب الذي لا يبدو بعيدا جدا عنا و عن فهمنا ،قد ناقش في أول الأمر قضية محو جهل المرأة مع السعي إلى تعليمها وتثقيفها،وهو بين أن المرأة عنصر مهم في المجتمع وبأن من شأن رفع مستوى تعليمها أن يرفع مستوى وعي المجتمع،وتناول الموضوع الرديف لتعليمها وإدخالها للمدارس والجامعات وهو موضوع عملها،وهو دمج التعليم والعمل مع بعضهما كثيرا في حديثه لإن كل منهما يمثل مرحلة للآخر ويوفر دعما له،وكذلك لإن توفير فرص العمل للمرأة يقتضي أن يكون تعليمها متميزا في نوعه و ليس مجرد تعليمها لغة أجنبية قد لا تستخدمها بعد زواجها أو تطريز بعض الأقمشة وهي مهمة قد تقوم بها عنها خادمتها أو الخياطة التي تتعامل معها،هو أراد لها عملا يصقل شخصيتها ويقويها ويترك أثرا طيبا ونافعا على حياتها و مجتمعها و بالطبع أسرتها،فالأم المتعلمة والواثقة من نفسها هي المعلمة الأولى لأطفالها والقدوة الأكثر حضورا في حياتهم، وهو صور حال المرأة الذكية التي لا يتم تثقيفها بحال من يملك كنزا أو أموالا يتفقدها كل يوم ويأنس بمنظرها دون أن يستثمرها وهو بذلك يخسر يوميا أرباحا طائلة كانت ستعود عليه ،ومن ثم ينقلنا لموضوع الزواج الذي أيضا يتطرق فيه إلى التعليم والثقافة،فهو يدعو الرجل المتعلم والمثقف إلى الإرتباط بإمرأة تحاكيه في ذلك لتكون بينهما حوارات تبتي علاقتهما،وفي هذا الفصل قام بوضع تعريف فقهي للزواج تم التركيز فيه على العلاقة الشرعية بين الزوجين جسديا ولكنه فضل عليه مفهوم الزواج الذي جاء به القرآن الكريم ورأى فيه إعجازاً كبيراً يضم كل جوانب العلاقة بين الزوجين،وأخذ يعدد مواقف كثيرة حقيقية في حياة الأزواج في عصره تعكس عدم التوافق بين الخيالات و الواقع المعاش،وبعد هذا الموضوع سرد لنا ما تقوله المذاهب الإسلامية بإختلافها حول الطلاق وكيفية وقوعه،وطرح خطوات منظمة لإجراءات الطلاق وفيها مشاورات عديدة قبل أن يقع ليتأكد كل طرف من موقفه وليعرف كل منهما قرار الآخر ومصيره بتأني،وأنا أقرأ هذه السطور بالتحديد تذكرت كم إمرأة طلقت و زوجها كان غاضبا أو حتى مازحا أو دافعا بالطلقات الثلاث دون تفكير،وبعد هذا كله نرى بأن المرأة هي التي تسأل علماء الدين وتبحث ليتضح لها إن كانت طلقت أم لا بينما من كان زوجها أو من لا يزال زوجها يبدو غير مهنم أو مكترث بما سيحدث لعلاقة مقدسة،وأعجبتني المراحل التي ذكرها الكاتب للتروي والتأمل في الطلاق ،وأتمنى مثله بأن تطبق ليأخذ كل صاحب حق حقه،وأيضا أذهلتني معدلات الطلاق المرتفعة في عصر الكاتب وهي تشابه ما يحدث في وقتنا الحالي،وكأن مسببات وأسباب الطلاق لم تتغير منذ ذلك الوقت!
أما بخصوص موضوع الحجاب،فالكاتب قسم الموضوع إلى شقين :شق ديني و شق إجتماعي،وفي القسم الديني ذكر لنا آراء الفقهاء وأهل العلم حول الحجاب وأيضا أدرج آيات من كتاب الله و قبسات من السنة النبوية،وأخبرنا عن رأيه وهو أنه مال لمذهب من يؤيدون كشف الوجه والكفين،وهو بذلك لم يروج لفكرة نزع الحجاب كما ظن البعض،وفي الشق الإجتماعي،كان مركزا في كلامه على التعامل مع المرأة كإنسان له عقل وفكر وروح وإن إختلفت جسديا عن الرجل،وهو طالب بحقوقها في أن تعمل وفي أن يتفهمها مجتمعها حتى لا تأتيها الأمراض سواء النفسية أو الجسدية،وهو على مدار الكتاب كرر كلمة "العفة" ونادى بها وأحب أن يترفع المجتمع عن تدنيس صورة المرأة وعن تقليل شأنها،وبالطبع هناك من لهم مفهوم مغاير لمفهومه عن الحجاب ولكني أرى بضرورة أن يعم الإحترام المناقشات بين أصحاب كل الآراء ومن حق كل فئة أن ترد على الآخرى بما يرفع الفكر ويهذبه ،والكاتب أخبر القراء منذ البداية بإنه حاول الإجتهاد و أوضح بأن الثورة التي حملها كانت ثورة ضد مفاهيم خاطئة في العادات والتقاليد،وهي مفاهيم قد لا يرتضيها الدين نفسه!
كتاب (تحرير المرأة) للمؤلف قاسم أمين،ربط بين كلمة المرأة و كلمة الحرية فكانت النتيجة ضجة فكرية!