حذار من الشفقة > مراجعات رواية حذار من الشفقة > مراجعة هدى محمد

حذار من الشفقة - ستيفان زفايج, حلمي مراد
أبلغوني عند توفره

حذار من الشفقة

تأليف (تأليف) (ترجمة) 4.1
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

مهلا مهلا..

هناك قلة قليلة يجديدون التعامل مع الألفاظ والعبارات ..هذا الرجل "ستيفان" تشهد له روايته بأنه منهم وبجدارة إقتدار .

حذار من الشفقة ..

دائما يحذرونك ولكن أبدا لايرشدونك لثمة طريق لاتتعثر به الظلام بخطواتك أو حتى يدلونك على وسيلة ما أو حتى حصن تتحصن به كى تبقى يداك بعيدة عن نيل ما حرم على قلبك وستيفان كان أذكى وأنبل من أن يتركنا هكذا بل تدارك الموقف برقى بالغ حيث أوصلنا إلى القفص وأحكم الغلق ثم رويدا رويدا هب لإنارة الزنزانة الحذرة لتجد مخرجا يسيرا ..مِنْعَةٍ وحصن حصين بدلا من الوقوع فى الأسر .

قد عشقت الرواية عشقا لاأخالنى سأبرأ منه يوما فى الواقع وبدقة أكثر عشقت أنامل الكاتب وعقلة البارع فى تصوير الأحداث ونسق العبارات وإنتقاء الألفاظ بل كنت أتذوقه كما أتذوق كأسا من العسل المصفى أقطره تقطيرا خشية انتهاؤه فى عجل ..ولهذا لم أرد أن أنهيه دفعة واحدة على الرغم من سعة وقتى حينها وفرط إعجابى وحماستى الشديدين لتتمته .

الحبكة القصصية غاية فى التماسك ..والمرور فى المنحنى الدرامى للرواية كان ببراعة لم أشهدها إلا فى ندرة من الروايات التى مرت على عقلى المتواضع

ولكن بعيدا عن هذه الإطراءات المستحقة للكاتب الجدير .. هناك تحذير وجب من أجل هذا الكاتب الرائع خشية الوقوع فى مغبة التعجل وإطلاق حكم متسرع عما أراده يقينا أن يصل لقرائه ..وهذا فى متواضع ما أرى ..وما توصلت إليه بعد فيض من التفكير الطويل ..

حذار من الشفقة أو كما أتت بنصها الإنجليزى " Be Aware Of Pity" لاتعنى مطلقا أو بأى حال من الأحوال تجنب الشفقة فالشفقة شعور إنسانى من أرق وأنبل المشاعر على الإطلاق والشفقة هى" رقة من نصح أو حب يؤدى على خوف "وهذا ماتعنيه إصطلاحا لغويا وبالتالى هى ليست قاتله ربما مضللة لصاحبها إن أفرط وهذا حال أى شىء نال من الإفراط أو التفريط حظا ..ألم يكن هناك من الحب ماقتل ..وأيضا من الشفقة ماقتل شريطة ألا تزيد عن المسموح أو تقل عن المطلوب ..فكليهما يؤدى لنهاية مقيتة ومن الحب ما أمات وأحيا ومن الشفقة ما أمات وأحيا " لاجدال فى ذلك فالشفقة شأنها شأن أى شىء فى حياتنا تلك .وبالتالى كن شفقيا ولكن عليك الحذر ..فخلف الرماد تقبع النار ..وسكون الغابات لايعنى أنها تعج بأليف الحيوانات فحسب ..مطلقا !!!

وهكذا لجأ العبقرى "ستيفان " إلى استعمال كلمة حذار ولم يقل إياك ..أو لا للشفقة لأنه يعى تماما أنها مطلوبه ولكن بقدر ..وربما كان للطبيب فى الرواية لسان الكاتب وحاله التى أبرزها فى وضوح من خلال حواراته البينيه مع الضابط .وهكذا كما قال له يجب تقطير الأمل تقطيرا وكأنه كان يرشده إلى ان الشفقة لايمكن أن تعطى للعليل دفعة واحدة فترديه صريعا أو حتى تمنع عنه نهائيا فيرى الكون موحشا بلاقلوب ترحم به أو تشفق لحاله بل يجب أن تعطى بقدر بالغ فى الحرص والحذر ..

وأكثر ما يدعم وجهة النظر تلك – أن الكاتب لم يمانع فى الشفقة – أنه كثيرا وفى غير موضع أتى على لسان الضابط بعبارات التباهى بالشفقة فمنذ البداية والبطل ملىء بالفخر والإعجاب أنه صار ذا أهمية يسعد الآخريين وكانه يقوم على عمل عسكرى يبذل فيه نفسه من أجل العامة .."وأنا الضابط البسيط الخامل –يمكن أن يكون لى من السلطان مايدخل السعادة القصوى على قلب إنسان آخر !!"

فالسكين الحادة التى قتل بها الظابط تلك الفتاة -والتى من دون حتى شفقته المدعاه حاولت فى الإنتحار مرارا –هى فى ضعفه أولا أمام نفسه الغرور وأخيرا فى جبنه فى الإعتراف بالحقيقة فى الوقت المناسب ..فهناك نوعا من البشر يفعل من الخير مايجعله يرى فى نفسه من العجب والغرور مايرضيه هو ولا يبغى إرضاء طرف آخر سواه ..لكنه يوهم نفسه بالعكس حتى إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لاتغتروا ..وخشية أن يفقد هذه اللذة من متعة الرضاء عن النفس واصل شفقته المدعاه ..ولم يضحى مطلقا بل كان أنانيا ..ففى علاقته بالفتاه وجد مكانا لم يكن له أن يجد مثله فى هذه المنطقة من المعسكر ..بل وتعرف على علية القوم ولن أقول أنه كان ينشد ذلك لكن الدوافع الذاتيه لم تكن خالصه بريئة من أى شبهة منذ البداية هو أسعد نفسه فى مقابل إسعاد الفتاة وحينما تطلب الأمر تضحية ولى هاربا فلم ينل شرف الفارس المضحى بيد أنه فى سلاح الفرسان وهذا من التوريات والمواربات الرائعة فى الرواية ..حتى نيله للوسام كمحارب لم ينزع عنه عار جبنه وتخاذله أمام فتاة بريئة كل ذنبها أنها أحبته لما هيىء لها الظرف كالفراشة ألقت بذاتها الرقيقة الهشه فى نيران تتلظى أملا فى النور فماوجدت إلا إحتراقا أفناها .

وسأنهى مراجعتى بواحدة من سيل العبارات التى أعجبتنى "ولأول مرة فى حياتى بدات أتبين أن الضعف لا الشر ولا الوحشية –هو المسئول عن أسوأ الكوارث التى تقع فى هذه الدنيا "

ولك ستيفان زفايج كم أتعجب أنك مت منتحرا !! ولكنى حقا لن أنسى أنك علمتنى كأديب وكمفكر بل لنقل بصدق كفيلسوف كبير الكثير والكثير ..فالشكر هنا حتمى وواجب فى حضرتك أيها العبقرى النادر .

Facebook Twitter Link .
4 يوافقون
3 تعليقات