مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي (مشكلات الحضارة) > مراجعات كتاب مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي (مشكلات الحضارة) > مراجعة مروه عاصم سلامة

مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي (مشكلات الحضارة) - مالك بن نبي
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
3

سيحرر الذنوب من وطأة إحساسها بالذنب ....فهناك لفشل هذا العالم أسباب أخرى ليس لها أي علاقة بمقدار ما في ضميرك من دافع إلى الجنة أو رادع عن النار....فالحقيقة تقول أن للأرض من القسوة ما يكفيها لكي لا يعنيها ما سيؤول إليه مصيرك ...وستمنح باسمةً ورداً وثمار لذلك الذي أتقن الحرث وأجاد الحصاد ..وسواء عليها إن كان من بعد ذلك هوالخالد في النعيم أو الهاوي سبعون ذراعا ببئس القرار ...لذا لن تجد ل(مالك بن نبي ) هنا حديثا عن أمة أخفقت حين نسيت وعد الآخرة وانحطت حين صمّت الأذان عن عظة الممات ..لا لشئ إلا لأنه ببساطة شديدة يؤمن أن كل ما هو آت من بعد الرمق الأخير قد كلف الله به خلقاً آخرين أما نحن فقد وُكلنا أمر الحياة ....وكم بدت باردة تلك الحياة حين جعلها أشبه ما تكون بتجربة معملية محددة المعطيات والمقدار ...فأخذ يحكي عن تطور الإنسان فيها ككائن يُؤتى مع الميلاد عقلاً كوعاءٍ خاويٍ إلا من العزلة ..وليس في الكون من حوله إلا ثلاثة مقادير للامتلاء ((الأشخاص والأفكار والأشياء )) ...ومقياس النجاح في آخر الرحلة لا يحدده إلا ما سيحققه الانسان في فكره من توازن في المعيار ... ورغم جمود الأسلوب وضباب الأجواء في كثير من أمر هذا الكتاب إلا أن شيئا ما هنا أجبرني على البقاء ...لعلها نبرة الاحتفاء تلك بقيمتك وقدرك أنت الفرد ..الإنسان ...نواة هذا العالم ..وكأن توازن عقلك أنت وحدك أو اختلاله كفيل بإعلاء مجتمعك أو الدفع به إلى حافة الانهيار .

(مالك بن نبي) ليس الرجل الذي ينسى جواربه بداخل الحذاء بعد خلعه .. أنا متأكدة !!..مرتب حتى الملل ..منهجي حد الرتابة ..صنف الكتاب فصولا ثم لخص في مقدم كل فصل الأفكار الأساسية قبل الخوض فيها فكرة فكرة ثم قسم العوالم الانسانية في فكر الفرد الواحد قبل أن يدلف منها إلى تقسيم أزمنة التطور في المجتمع ككل إلى (عصر ماقبل التحضر ..عصر التحضر وما بعد التحضر ) ... وليس للشعر عمل ضروري هنا فمصطلحات الفيزياء (كالقوة الدافعة ..الطاقة الحيوية ..الحركة الرافعة مع نسبية الأشياء) هي الأقرب لا شك لشرح معادلات النجاح وتقدير نسب الإخفاق .. و فوق السطور ستلحظ أن أسماء كمثل (نيوتن) و(باسكال) لها حضور لا بأس به مما يجعل وصفه للحظة النشوة بلفظ ((لحظة أرخميدس)) أو ((أوريكا)) شيئاً مفهوماً ..وسيخفف لدرجة كبيرة من قدر الدهشة الذي سيعتريك عندما تجد أن كلمات كمثل ((الروح ..العقل ..الغريزة)) لها رسم بياني في الصفحة (44) تحت عنوان ( هذا الرسم البياني يبين القيم النفسية الزمنية لإحدى الحضارات ويعطينا فكرة عن تغيرات هذه القيم خلال المراحل الحضارية المختلفة) .. يعني إخلع قلبك عند الصفحة اللأولى ..لا حاجة لك به هنا ... ف(مالك بن نبي) يريد العقل على انفراد!!

لا أستطيع رغم ذلك إنكار أن حديثه كان لطيفا وممتعا في تلك المقاطع التي خلع فيها سترة أستاذ الفيزياء ..فعلى الصعيد النفسي والأخلاقي يقول :

((عندما يتمحور عالم الثقافة حول الأشياء فهي تحتل القمة في سلم القيم وتتحول خلسة الأحكام النوعية إلى أحكام كمية دون أن يشعر أصحاب تلك الأحكام بانزلاقهم نحو (الشيئية ) أي نحو تقويم الأمور بسلم الأشياء )) ويقول بأسف ((وفي عاصمة عربية كان يسلم عليّ شاب مثقف وكان ابن شخصية ذات مقام معنوي رفيع لكنه توقف عن تحيتي منذ اليوم الذي رآني فيه على رصيف محطة نازلا من عربة الدرجة الثالثة ..إن الشيئية تجر إلى هفوات كثيرة ذات مغزى وخاصة في مجال الأدب السياسي ففي كلمة تأييد لإحدى البلاد تقرأ عبارة (الحكومة وشعبها) ..لقد عُكست علاقة الملكية : فبدلا من أن يكون للشعب حكومة أصبح للحكومة شعب وأضحى المالك مملوكا ..بيد أن هذه الهفوة من أعراض انعكاس سلم القيم ))

وكانت أجمل الأجزاء ما سرده فيما سماه ((وثنية الفكرة )):

((عندما يتجسد المثل الأعلى في شخص ما هناك خطر مزدوج فسائر أخطاء الشخص ينعكس ضررها على المجتمع الذي جسد في شخصه المثل الأعلى ..وسائر انحرافات ذلك الشخص تترصد كذلك في خسائر وتكون إما في رفض للمثال الأعلى الذي سقط وإما في ردة حقيقية يعتقد عبرها بإمكانية التعويض عن الاحباط باعتناق مثل أعلى آخر وفي كلا الحالتين فنحن نستبدل دون أن ندري مشكلة الأشخاص بمشكلة الأفكار ...وقد سبب هذا الاستبدال كثيرا من الضرر بالأفكار الإسلامية المتجسدة بأشخاص ليسوا أهلا لحملها ..إن خطر التجسيد قد وضعه القرآن صراحة في الوعي الإسلامي بقوله تعالى : ((وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم )) هذا التحذير ليس موجها هنا لتفادي خطأ أو انحراف مستحيل من الرسول (ص) ولكنه من أجل الإشارة إلى خطر تجسيد الأفكار بحد ذاته ))

((وعلى الصعيد السياسي يمكنك أن تحصي في بلد إسلامي واحد عددا لا بأس به من الكوارث التي كان ممكنا تجنب وقوعها لو لم تستلب أفكار دافعة بفعل تجسيدها وواحدة من أكثر الأفكار الدافعة عظمة والتي ارتعد منها الاستعمار في الجزائر كانت (المؤتمر الإسلامي الجزائري) سنة (1936) ..لقد أريد أن تتجسد هذه الفكرة في أحد المثقفين السياسين فماتت الفكرة بعد مرور شهر واحد لأن ذلك المثقف لم يكن أهلا بالحد الذي يجعل منه سندا لها .. إن عبادة (الرجل السماوي) منتشرة في جميع أنحاء العالم الإسلامي المعاصر وتكون أحيانا سبب ما نشهده من حالات إفلاس سياسي مذهلة.. إن أقل الناس اقتناعا بالقيمة الاجتماعية للأفكار هو المثقف المسلم وهذا يفسر لماذا فضل عددا من المثقفين في الجزائر منذ 30 عاما الدوران في فلك بعض الأوثان بدلا من أن يكرسوا أنفسهم لخدمة بعض الأفكار ))

((لقد أطلق القرآن الكريم تسمية الجاهلية على الوثنية التي سيطرت على الجزيرة العربية قبل الإسلام ومع ذلك لم تكن تلك الجاهلية فقيرة في صناعة الأدب فقد حفلت هذه الفترة بألمع الأسباب لكنها ظلت تسمى جاهلية لأن علاقتها المقدسة لم تكن مع أفكار وإنما كانت مع أوثان ..وإذا كانت الوثنية جهالة فالجهالة بالمقابل وثنية أيضا ))

وعلى الصعيد الفكري يقول :

((ولابد أن نذكر نوعا آخر من الطغيان وهو (طغيان الأفكار ) وهو (مرض نخبة المجتمع) فعدم التكيف مع الأفكار المكتسبة عبر الكتب هي التي تولد الطغيان في مواقف تكون أحيانا كاريكاتورية ..ففي إحدى المحاضرات عن تركيب الأدوية أجهد الأستاذ نفسه في وصف إحدى النباتات وبدلا من أن يمد يده ويقطفها من فناء الكلية ليقدمها إلى طلابه كان يبحث عن شكلها في الكتاب أثناء محاضرته بينما هي تحت نافذة قاعة التدريس))

((إن فكرة أصيلة لا يعني ذلك فعاليتها الدائمة وفكرة فعالة ليست بالضرورة صحيحة والخلط بين الوجهين يؤدي إلى أحكام خاطئة وتلحق أشد الضرر في تاريخ الأمم حينما يصبح هذا الخلط في أيدي المتخصصين في الصراع الفكري وسيلة لإغتصاب الضمائر )) ثم يستطرد في فصل آخر معنى مشابه فيقول : ((وفي عصر الانتاجية لا يكفي أن نقول الصدق لنكون على حق وليس من الحكمة اليوم أن نقول : اثنان زائد اثنان يساوي أربعة ثم نموت جوعا وإلى جوارنا شخص آخر يقول : إنها لا تساوي سوى ثلاثة ومع ذلك يضمن لنفسه لقمة العيش .إن روح التلقين التي تطبع هذا العصر تؤدي إلى تأكيد خطأ الأول وصحة الثاني ففي منطق هذا العصر لا يكون اثبات صحة الأفكار بالمستوى الفلسفي أو الأخلاقي بل بالمستوى العملي فالأفكار صحيحية إذا هي ضمنت النجاح وليس المقصود أن نقدم تنازلات إلى الدنيوي على حساب المقدس ولكن أن نحرر هذا الأخير من بعض الغرور الإكتفائي والذي قد يقضي عليه))

راقت للكثيرين بالأونة الأخيرة مقارنة عقدها (الغنوشي) بين فكر (سيد قطب ) و( مالك بن نبي) حدد فيها خصيصا وجهة نظر كليهما في مقومات النهضة للمجتمع الاسلامي ..ورغم أني أتناوب الأيام القلائل بين (ظلال القران) لسيد قطب ولم أقرأ ل(مالك بن نبي ) إلا هذا الكتاب إلا أني أستطيع أن أرى شيئا من الفارق بين الاثنين فرغم تفوق (قطب) في جمال البيان وعاطفية التعبير عن (بن نبي) ..إلا أنك ستستشعر حتماً ركلة الأول للكون بعيدا عنه مفضلا سكون الموت ..بينما يتلقفه الثاني ليقيس أبعاده فيعرف موطن الخلل طالبا عمارة الحياة ..وفي اللحظة التي وصلت فيها إلى هذه الفكرة انقطعت الكهرباء البارحة قرابة ساعتين ...ولا أدري كيف حصلت على هذه الغفوة الحلوة في هذا الصيف ...ربما لأني كنت أصل إلى درجات أعلى من الاسترخاء كلما زاد شلل الهواء من حولي.. و رأيت حينها فيما يرى النائم وكأن لي ملك مصر و هذه الأنهار تجري من تحتي ..وفي حفل تنصيب بهيج قررنا نحن تولية (سيد قطب ) أمر العسكرية والقضاء وتركنا رئاسة الوزارة ل(مالك بن نبي) وبينما كانت السعادة تعم أرجاء للبلاد ووينعم بالعدالة كل العباد ..إذ بي أصحو من غفوتي وقد اتشحت كلي بالعرق في هذا القيظ ...فصرت أهذي من الغيظ :طيب خلاص لو كان لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي لأعدمت فقط وزير الكهرباء؟؟

Facebook Twitter Link .
4 يوافقون
1 تعليقات