عندما تشيخ الذئاب > مراجعات رواية عندما تشيخ الذئاب > مراجعة مهند سعد

عندما تشيخ الذئاب - جمال ناجي
تحميل الكتاب

عندما تشيخ الذئاب

تأليف (تأليف) 3.8
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

عندما تشيخ الذئاب

جمال ناجي

يقدم لنا جمال ناجي رواية واقعية نسج خيوطها من هموم الناس ومعاناتهم، أخرج محتواها مما عايشه ويعايشه الكثيرون، تتناول الرواية شخوصا يعيشون في مناطق داخل عمان في فترة زمنية تمتد من بداية السبعينات إلى بدايات العام 2005، يعالج فيها الكاتب الأبعاد الإجتماعية والسياسية التي تغيرت بشكل متسارع داخل الاردن ببناء روائي متداخل مع البعد الاجتماعي والنفسي والطبقي للشخصيات الروائية –الواقعية- .

تأخذ الرواية شكل تعدد الرواة فتكتمل خيوط الرواية من خلال نقل دور الراوي من شخص إلى آخر دون الإخلال في البناء الروائي لها، تبدأ الرواية من سندس تلك الفتاة صارخة الجمال المليئة بالشهوة الجنسية التي تلقت العديد من الخيبات في حياتها بدايةً بطلاقها من زوجها يوم عرسها من "صبري أبو حصة" ومن ثم الزواج من شخص كهل "رباح الوجيه" والعودة للزواج من "صبري ابو حصة" اللذان لا يشبعان رغبتها المتقدة ولا يستطيعان كبح جماح عنفوانها وانطلاقها الذي لا يجد من يكبحه إلا "عزمي الوجيه" إبن رباح حيث تبدأ الرواية بقول سندس انه هو الوحيد الذي استطاع ان يلجمها ويضعها طوع امره من خلال صدّه لها ، حيث كان صدّه يشعل فيها حاجتها له ورغبتها به أكثر، وفي مراحل متقدمة تجد ان الشيخ عبد الحميد الجنزير يريدها لتكون زوجته وترفض ذلك لتعلقها بعزمي .

أما الشيخ عبد الحميد الجنزير وهو رجل الدين صاحب المراكز الإسلامية والتلاميذ والحضرات الصوفية والعلاج بالاعشاب، الذي تتكشف نزعاته الجنسية الراسبوتينية من خلال ادعاءه علاج النساء بالجلسات والدخان والبخور وهو يتحسس اجسادهن ليشبع نزقه الجنسي من اجسادهن فيتعلق بعدها بسندس زوجة رباح عندما تأتي لتتعالج لديه فتنسكر امامها هذه الهالة الإيمانية الوقورة السمحة في محاولات استمالتها للقبول به حتى تصل إلى نقطة الإنكسار الاخيرة في المزرعة عندما يتلاقى هو وعزمي فيبدأ الصراع الاخير .

الشيخ الجنزير الذي يظهر شخصية الشيخ الورع التقي أمام تلاميذه ومريديه والعامة يخفي في مزرعته شخصية أخرى ، انتهازية سلطوية استطاع من خلال تبرعات المحسنين وعلاقاته وقدرته على دراسة شخصيات الناس ولباقته في الحديث والسيطرة على محدثيه ان ينشأ في مزرعته صالونا سياسيا يجتمع فيه الوزراء والسياسيون وراغبو السلطة ورجال الأعمال ويتكون في هذه المزرعة الرأي السياسي والمزاج العام للدولة في محاولة من الكاتب لبيان مدى كذب الحكومات وإظهار الوجه الحقيقي لكيفية تشكل الوعي السياسي للدولة ورجالاتها .

يجعل الجنزير من عزمي تلميذه لما رأى فيه من نباهة وعلم وذكاء متّقد ميّزه عن كل التلاميذ الآخرين، فيقربه منه ويحنو عليه وبالمقابل فإن عزمي لم يدخر جهدا في كسب كل ما استطاع من علم ديني وعلم فلسفي وأخذ الكثير من صفات الجنزير في السيطرة على المحدثين والذكاء في الحوار لأن له من الرغبات الكثيرة في الوصول لأعلى المراتب الاقتصادية كما سيتضح فيما بعد، يعلم الشيخ الجنزير هذا وتربطهما علاقة من التفاهم قوية جدا دون الكلام تصل الغايات بينهم .إلا أن عزمي يكبر كثيرا ويصبح ذا نفوذ حتى الجنزير لم يستطع أن يعرف من أين أتى به ، إلا أن علاقات الجنزير تخوله ان يصل لما يريد وفي معركة الصراع الأخير يسلّم الجنزير كل ما لديه من معلومات للدولة لتقتص من عزمي في مطاردة تشويقية وكأن الكاتب أراد لهذه الرواية ان تتحول فيلما أو مسلسلا فأضاف هذا الفصل التشويقي .

جبران ، خال عزمي الوجيه من المعارضين اليساريين والمناضلين القدامى ، يدخل السجن عدة مرات لمواقفه المناهضة للدولة ، يعيش في جبل الجوفة ككل أبطال الرواية في فقرهم ، يحصل على مال وفير من ارث غير معلوم تركه والده له، يظن البعض ان غناه جاء من خلال كنز وجده بعد ان اخبرته اخته جليلة عنه بعد ان سمعت زوجها يبحث عنه، والآخرون يظنون أنه اغتنى من بيع الطعام والمواد للمناضلين في بيروت .

ينتقل جبران للعيش في عبدون احد أحياء عمان الراقية وتبدأ مظاهر الحياة الاستهلاكية تظهر على جبران وزوجته رابعة وتختفي مظاهر الاشتراكية واليسارية من تفكير جبران شيئا فشيئا إلا أنها لا تختفي في النهاية وإنما تنزوي في جزء من الذاكرة، يحرص جبران على زيادة ثروته بأعماله ومشاريعيه التي تلقيه في نهاية المطاف مع الشيخ الجنزير في اعمال مشتركة ويصبح من رواد مزرعته فيما بعد طامحا لمركز سياسي ، متخليا عن كل يساريته في هذه المرحلة، حتى زوجته التي عرفها من خلال لقاء ادبي ثقافي تبدأ في الانجرار لمظاهر الحياة الرغيدة المرفّهة تبدأ بالرسم ومن ثم اقتناء قط شيرازي والاهتمام بحفلات الشاي مع زوجات المسؤولين والتي في نهاية المطاف تستطيع ان تجعل من زوجها وزيرا في الحكومة من خلال لقاءات زوجات المسؤولين وهذه اضاءة اخرى قصدها الكاتب ليوضح كم هي صناعة المسؤولين في البلد تتم بلقاءات نسائية .

يشكل جبران في الرواية شخصية تقوم على تحليل المواقف ودراسة الواقع ونشر الآراء والتساؤلات التي تهدف لإيصال القارئ لفهم الواقع السياسي والاجتماعي في الاردن في تكل الفترة ،

تقوم علاقة جبران بعزمي على علاقة الخال بإبن الأخت إلا أنها تتطور مع تطور شخصية عزمي وجبروته وقدرته فيصبح جبران يخافه مرات ويخاف عليه ولا يفهمه ويرى انه مغلق على نفسه ومشاعره .

تدخل على الرواية العديد من الشخصيات التي تهدف في طابعها الاساسي إلى رسم الصورة الكاملة للحياة الواقعية في جبل الجوفة وغيرها من أماكن كرابعة وجليلة ورباح الوجيه وفاطمة أم سندس وبكر الطايل ذلك الشاب الفقير المعوز الذي يلتحق ليصبح من تلاميذ الجنزير وفيه صورة واضحة للشباب الذي يلتحق بالجماعات الدينية ويغيب عقله فيها ليحكم على كل شيء من منطلق الحلال والحرام ومحاربة كل من يعتدي على الاسلام حتى أنه يحاول قتل عزمي الوجيه لأنه سرق اموال المركز الاسلامية وهو تعدي على مال الإسلام .

الشخصية المحورية والتي لم تتحدث بلسانها على طول الرواية وإنما تحدثت كل الشخصيات عنها وهي

عزمي الوجيه، ذلك الشاب الكتوم الصامت متقد الذكاء حاد البصيرة الذي كان يكثر من التساؤلات في طفولته وأصبح في كبره شابا في العشرين ذا عقل في الستين، أراد الجنزير ان يحتويه ضمن تلاميذه لكنه كبر وخرج من عباءة الجنزير وتكسرت له هالة الجنزير الدينية عندما رآه في احدى السفرات يسرق من مال التبرعات له وعندما شاهد سندس عنده في حلقة من حلقات العلاج، ومن بعدها استخدم قدراته التي اكتسبها من الجنزير ليصنع لنفسه موقعه الخاص فبعد مال المركز الاسلامي الذي اخذه وبعد مال الورث الذي احتفظ به خاله له بدأ عزمي يتخلى عن مبادئه الدينية لصالح أفكاره الرأسمالية والانتهازية فأصبح يدخل في المشاريع حتى المحرمة منها ، ومن ثم تنكسر صورته الدينية عندما كان يتمنّع عن سندس بالقول أنه الدين يمنع زواجهما إلى أن يقول القانون يمنع ويزداد هذا الانكسار عندما يدخل مع سندس في علاقة محرمة لأكثر من مرة يظهر فيها قدرته الجنسية الكافية على اشباع سندس وفرض نفوذه أكثر على شخصيتها ونفسها فلا تخالف له أمرًا، لكن سندس في النهاية ولكثرة رفض عزمي الزواج منها بحجة انها زوجة والده السابقة تأتي له بالدليل على ان والده لا يستطيع الانجاب وانه ابن غير شرعي.

تتصاعد أحداث الرواية وتتشابك حتى تصل العقدة لنهايتها وتبدأ الشخصيات بتصفية بعضها البعض بطريقة دراماتيكية فالجنزير يحاول التخلص من عزمي بعدما خسر سندس ولم تقبل به زوجا وعزمي يضع خاله الوزير جبران في موقف صعب عندما يخبئ لديه عندما طاردته الشرطة وبذلك يتخلى خاله عن منصبه الوزاري ويلقى القبض على بكر الطايل لمحاولته قتل عزمي ولقتله راقصة، الجنزير يذهب لمكة المكرمة لتخلص من ذنوبه ولكنه في خضم توبته يواجه عزمي في خيمته معتقدا ان عزمي قد مات بعد ان طاردته الشرطة لكنه يحضر له ليسأله في النهاية ، من والدي ؟ الذي تكون اجابته من خلال عليك ان تسأل من يحتفظ بعقد امك وفيه دلالة لكشف السر لدى زوجة خاله ، ويتضح من سياق الرواية ان والده هو الشيخ الجنزير نفسه في حلقة من حلقاته العلاجية لأمه في بداية زواجه من رباح الوجيه

الرواية تقدم لشخصيات في داخلها شرح للكثير من الأفكار والقضايا فيتضح الخاص في العام ، استمتعت بها جدا وانصح الجميع بقراءتها

اعتذر لما غفلت عنه من أفكار داخل الرواية لكثرتها

والسلام عليكم

Facebook Twitter Link .
3 يوافقون
4 تعليقات