يقولون أن أعذب الشعر أكذبه
و لكن رغم عذوبة شعر مريد البرغوثى إلا أنه صادق تماما و ربما لهذا يمس شغاف القلب
احتوى الجزء الأول من مجموعته الشعرية الكاملة خمسة دواوين تجد مراجعتى لهم هنا
ليلة مجنونة
01
على خشبة المسرح
صخبٌ و موسيقى و حفلٌ راقصٌ
في مقبرة.
موتٌ و قهقهةٌ هنا
صمتٌ و راياتٌ مزوقةٌ هناك
ركضٌ و لكن لا مسافة للخطى
زغرودةٌ ترتج في وادي الهلاك
المخرج الأعمى يدير لنا مشاهدنا العجيبة:
هملت المجنون دس السم في ليل لوالده!
و أوفيليا البدينة عاهرة!
و تقصفت في البرق أشجار بلا ثمر
و بين جذوعها تعلو المشانق مثمرة
ما أجمل التانجو هنا
بين الشواهد و الأهلة و السكوت
أيموت من تحت التراب لأنهم رقصوا على أشلائه؟
أم يرقص الجمع الجبان لأن أشجعهم يموت؟
المشهد العبثي طال بنا و طال
و مرّ قاتلنا فملنا نحوه
و كأننا ذَنْبٌ يميل على أيادي المغفرة
هي ليلةٌ مجنونةٌ
صخبٌ و موسيقى و حفلٌ راقصٌ في مقبرة
عبثاً نحاول أن نصور هذه الملهاةَ مأساةً
فأين جلالها؟!
هاتوا ثياب المسخرة.
02
الرحيم
الصنم
زيه العسكري
فصّلته المعارك طبعا
و في يوم عطلته يرتديه
فيزداد طولا مع القبعة
لا سوفوكليس يرقى لإلهامه
لا و لا يجرؤ الغيم أن يرتقي موقعه
ذات مَغْضَبَةٍ أعمل السيف فيمن عليه
و حين استفاضت حماسته
أعمل السيف فيمن معه!
و لكنه و هو يلقي خطابا له في الصباح
بكى صادقا
حيث لم يبق من قومه
أيُ حيٍ لكي يسمعه
03
إجازة في أوروبا
صنمٌ يسوق على رمال البحر أربعَ نسوةٍ
يصغي لألحان من الصحراء في سماعة الأذنين
كان ملونا
بقميصه البحري و الشورت المزركش من هاواي
النخل محنيٌ على أكمامه
الشمس طالعة على أكتافه
الصدرُ رسمُ شِفاهِ أنثى
تستعدُ لكيّ يُقبّلَها الهواءْ
و الظهرُ رسمٌ فيه كأسُ نبيذٍ امتدت لها كفٌ
لتلمسها و في الكأس انحناء
صنمٌ تهبُ الريحُ خلف خطاهُ
تُبرزُ إليتيه بقدرِ حجمهما
و يسحبُ خلفهُ زوجاتهُ مرِحَاً
و هنّ مُغلّفَاتٌ بالسوادِ
من النقاب إلى العباءة و الحقيبة و الحذاء!
04
المفسر
صنمٌ و مسبحةٌ من اليسر المتوج بالذهب
متربع في فرو خاروف
و يشرح ما يريد من الكتاب
في عينه ورعٌ
و لكن عينُهُ الأخرى
تهيّؤنا ولائم للذئاب
05
لا مشكلة لديّ
لا مشكلة لديّ
أتلمس أحوالي منذ ولدت إلى اليوم
و في يأسٍ لأتذكر
أن هناك حياة بعد الموت
و لا مشكلة لديّ
لكنّي أسألُ:
يا الله!
أهناك حياة قبل الموت؟
الناس في ليلهم
لا بأس
لا بأس أن نموت في فراشنا
على مخدة نظيفة
و بين أصدقائنا
لا بأس أن نموت مرة
و نعقد اليدين فوق الصدر
ليس فيهما سوى
الشحوب
لا خدوش فيهما
و لا قيود
لا راية
و لا عريضة احتجاج
لا بأس أن نموت ميتة بلا غبار
و ليس في قمصاننا
ثقوب
و ليس في ضلوعنا
أدلة
لا بأس أن نموت و المخدة البيضاء
لا الرصيف
تحت خدنا
و كفنا في كف من نحب
يحيطنا يأس الطبيب و الممرضات
و ما لنا سوى
رشاقة الوداع
غير عابئين بالأيام
تاركين هذا الكون في أحواله
لعل "غيرنا" يغيرونها
عما قليل
عما قليلٍ
سوف تتضح الجريمةُ
عندما سأراك مقبلة عليّ:
ستخبئين الإرتعاشة كلها في نظرة
ستخبئين النصل
في أكوام شوق لا يشاهده سواي
و ستقتلين الثعلب الوحشي
و هو ينط تحت قميصك الخجلان
كي تبدو ملامسة اليدين
بريئة
و بسيطة
كمصافحات الأخرين
زهر الرمان
01 ليلة لا تشبه الليل
يكاد يلامس زر الجرس
فإذا الباب في مهل لا يُصدِّقْ يأخذ في الانفراج
ويدخلُ
**
يخطو إلى باب غرفته
حيث صورته بجوار السرير الصغيرِ
وحيث حقيبته المدرسية ساهرة في الظلام·
يرى نفسه نائماً بين حلمين أو علمينِ
يدقُّ على غرفِ البيت
يوشكُ ـ
لكنه لا يدقُّ
فيستيقظ الكلّ في ذهل:
عاد!
والله عاد!
يصيحون
لا يسمعون لصيحتهم أي صوت
يمدون أذرعهم لاحتضان محمدَّ
لكنها لا تلامس أكتافَهُ
**
ودّ لو يسألُ الكلَّ عن حالهم تحت
قصف المساءات
لم يجد الصوتَ
**
قالوا كلاماً
ولم يجدوا الصوتَ!
**
يدنو ويدنون
مَرَّ· ومروا· استمروا ظلالاً تمرُّ خلال
ظلال ولا تلتقي!
**
أرادوا السؤالَ إذا ما تعشىّ
أيبرد في الليل؟ أم أن سُمْك الغطاء الترابيِّ يكفي؟
وهل أخرج الطبُّ من قلبه طلقة الخوف؟
أم أنه لم يزلْ خائفاً؟
ثم
هل حلّ مسألتيَّ الحسابِ
لئلا يُخيب آمالَ أستاذِهِ في الصباحِ
وهل···؟
**
وهو ودّ بكل بساطته أن يقول
أتيتُ "أطل" عليكم
لكي أطمئنّ
وقلتُ أبي سوف ينسى كعادته حَبّة الضغطِ
جئت أذكّره مثلما اعتدتُ
قلت مِخَدّة رأسي هنا لا هناكَ
**
وقالوا···
وقال
ولا صوت:
**
لا جرسٌُ الباِب رنَّ!
ولا كان زائرُهم نائماً في السرير الصغيرِِ
ولا هُم رأوهُ!
**
وعند الصباحِ
تهامَسَ أهل الجِوارِ بأنّ الروايةََ
محضْ خيال
فهذي حقيبته المدرسية مثقوبة بالرصاص
على حالها
ودفاتره غيرّتْ لونَها
والمعزّونَ ما فارقوا أمَّه
ثم
كيف يعودُ الشهيدُ إلى أهله هكذا
ماشياً رائقاً
تحت قصفِ مساءٍ طويلْ !
02 إلى أين تذهب في مثل ليل كهذا
أكاد أصيحُ: تعرّف إلى غيرنا أيّها الموتُ..
إبحث على الفور عمن يجود عليك بمأوى سوانا..
ودع غير أطفالنا يمسكوا بذراعك..
عبر ازدحام الطرق..
منذُ دَهرٍ نؤدي لك الواجبات ونرعاك..
نحن انشغلنا بشغلك فاذهب ولكن ..
إلى أين تذهب في مثل ليل كهذا...
تدفأ ونم جيدا أيها الموت حتى نواصل أثناء نومك أشغالنا..
أكاد أصيح: تعرّف إلى غيرنا أيها الموت..
أنت تجاوزت كل سياجٍ..
وطاب لك المكث فينا..
أغلطتنا أننا كرماء لتأخذ من تنتقي ثم نعطيك من يرتقي بك..
نحو السمو الذي تشتهي..
آن أن تنتهي من طموح يديك...
أما فاض موسمك المر عن حاجتك؟..
اخسر الشوط حيناً...
ربما لو ذهبت سنكتب شعرا عن الإنس والجن والجنس..
والشبق الصلب..
نغشى الملاهي..
ونسكب شاي المقاهي..
بطيش أصابعنا... أكاد أناشدك الابتعاد..
ولكن إلى أين..
يا من صفاتك تمشي معك؟..
هل ألفناك؟..
هل لا طريق لنبعد عنك سوى الإقتراب الجنوني منك..
أأنت الطريقُ..
أم أنك قاطع هذا الطريق؟..
أتمشي الجنازة فينا؟ أم أنّا نسير ونبحث من حولنا عنك فيها؟..
نرى النعش والسائرين..
ويا موت لسنا نراك..
ففي أي زاوية تختفي حينذاك؟..
أكاد أصيح: تعرف إلى غيرنا أيها الموت..
لكن إلى أين تذهب في مثل ليل كهذا..
تدفأ ونم جيدا..
ثم واصل مع الفجر شغلك حتى نواصل بعد رحيلك أشغالنا
منتصف الليل
01
وَحْدَكَ الآنَ ولا وَجْهَ سِواكْ.
أنتَ مَن عَلَّقْتَ نَجْماً ضاحِكَ الضوءِ هُنا
ونجوماً عابِساتٍ كَجُنودِ المَخْفَرِ العالى هُناكْ
أنتَ كأسى وانْتِشائى، فلماذا
تَمْنَعُ الخَمْرَةَ عن روحى؟
وسُكرى فيكَ، لا عَنْكَ، ومَطلوبى رِضاكْ.
أنتَ إن لم تَسْتَمِعْ لى، إمَّحى فى الأرض ظِلّى،
فلمن سوف أُصَلّي، ولِمَنْ يلجأُ مِثْلى
حين تُقْصينى يَداكْ؟
لم أعد أملك اسما، كى أُنادَى أو أُسَمّى
مُلِئَتْ كأسىَ سُمّا، صِرتُ فى قبرىَ رَسْما،
وتَعَوَّدْتُ الهَلاكْ
منذ عُمْرَيْنِ أنا والضَّجَرُ، عبثاً فى قبرنا ننْتَظِرُ
ثم لا نحيا ولا نَنْتَشِرُ، سامِحِ المَوْتى إذا ما كَفَروا
أو تَجَلَّ الآنَ عَدْلاً، لِنَراكْ
02
يا أيها المنسىُّ فى قاع الأسى
ما خَفْقَةُ العَلَمِ الذى حَلُمَتْ يداكَ بِرَفْعِهِ
إن لم يَكُنْ فى وُسْعِهِ أن
ىَرْفَعَكْ؟
نشتاق للموتى كما نشتاق للأَحْياءِ. يَكْذِبُ من يُكَذِّبُ قلبَهُ:
لا شىءَ يَعْدِلُ ساعَةً أُخرى مَعَكْ
03
سأزيدك أيها السيد القَلِق
لن أرسل سفينة فضاء
لاكتشاف الحياة على كوكب المريخ
لكنني سأحاول اكتشاف الحياة هنا
على كوكب الأرض
من يدري
لعلي أجد برهانا
على أن الحياة على كوكب الأرض
ممكنة
04
أيها الأعداءُ “شَيءٌ ما” يُثيرُ الشكَّ فيكُمْ
كُلُّ ما في جَبَلِ الأوليمبِ من آلِهَةٍ
مَعَكُمْ
تتلقّى الأمرَ مِن شَهْواتِكُمْ
تَرْمي إذا تَرْمونَ
والأرضُ كما شِئْتُمْ تدورْ
نَصْرُكُمْ مِهْنَتُكُمْ
كل حرب ضدنا ترفعكم أعلى
و أعلى
ثم ترمينا على أقدارنا
مثل سرو في ظلام المدفأة
كل ما تبنونه يبقى و يزداد
و ما نبنيه تذروه المراثي
نحن للقبر. و أيديكم لشامبانيا الظَفَر
و الذي في دفتر القتل لديكم
ليس إلا ميتا
مُت فيموت
أيها الأعداءُ صارَ الإنتصارْ
عادةً يوميةً كالخُبزِ في أَفْرانِكُمْ
فلماذا هذه الهستيريا؟
ولماذا لا نَراكُمْ راقِصِينْ؟
كم مِن النَّصْرِ سَيَكْفيكُمْ لكي تَنْتَصِروا؟
أيها الأعداءُ، "شيءٌ ما" يُثيرُ الشكَّ فيكُمْ،
ما الذي يَجْعلُكُمْ، في ذُروةِ النَّصْرِ عَلَيْنا،
خائِفِين؟!
منطق الكائنات
نفس الفكرة التي اعتمد عليها سنان أنطون بعد ذلك في رواية فهرس.
01
لا مفر
قال الهارب و قد ضاق عليه الخناق:
يا إلهي أين أختبيء
و المدينة ملأنة بأصدقائي
02
المرآة
قالت المرآة:
ما أشد تعاستي
لا أحد ممن ينظرون إليّ
يريد أن يراني
03
كرة السلة
قال لفتاته الجديدة:
كما تدخل الكرات في السلة
تدخل النساء قلبي
فلا تستقر فيه واحدة منهن
و كلهن يرتطمن بأرض ملعبي
منذ أحببتك أنت
04
الروض العاطر
قالت ليّ السيدة المجربة:
ثمرات التين. قشّرها
عناقيد العنب. المسها بشفتيك أولا
القهوة. خذها ساخنة
الزوابع. دع وقارك جانبا و هي تلوب و تصيح
الزيارة. إجعلها مرحة
الشمس. اقترب منها بمقدار و ابتعد بمقدار
القصيدة. لا تنزعج من غموضها
اللوحة. لا تدقق كثيرا في تفاصيلها
المسرحية. لا تغادرها قبل النهاية
الكلمة. لا تحاول استعادتها إذا ذهبت
المرأة. اصنع معها ذلك كله.
05
الحبل
قالت ربة البيت:
الغسالة الأوتوماتيكية الفخمة
لا تدخلها إلا الملابس المتسخة
و حبل الغسيل المشبوح بين مسمارين
لا يحمل إلا ما هو نظيف
06
نيام
قال الديك:
لا يسمع صياحي
إلا المستيقظ
07
مقعد واحد
قالت الطالبة لزميلتها في الجامعة:
أنا أشتهي ذلك الشاب
و عندما جمعهما هي و هو مقعد واحد
ذات صدفة مشمسة
تشاغلت بربط حذائها الخفيف
و فزّت راكضة
08
الأخرس
قال كاتم الصوت:
لو كان لي صوت
لما استخدمني القتلة