اقتباسات هالة البشبيشي

وما أوجع أن يكون أول اختيار للبناء هدمًا.

أيقنتُ أن عليَّ أن ألجأ لنفسي فقط، أن أصاحبَ نفسي التي انقسمت بداخلي إلى ندى الظاهرة للكل، وندى الخاصة جدًّا بداخلي، ندى التي لا تجد نفسها إلا مع نفسها، فما نفسي هذه التي لا تهنأ إلا بخلوتي مع روحي! ‫

تحضرَ كلٌّ منا من منزلها أدوات التنظيف التي تستطيع إحضارها لتحقيق غرض هذا اليوم. مساحيق أو سوائل تنظيف وتلميع وغيرها لنقوم بغسيل وتنظيف حوائط المسجد أو السلم المؤدي إلى قاعات الدروس والمقاعد والطاولات بل وأيضًا الحمامات.

كنتُ أتلهف للعطلات للاشتراك في الأنشطة الصيفية به؛ فقد تنوعت بين الدراسي -التقوية الدراسية لمواد العام المقبل- والترفيهي، وما يشمله من مسرحياتٍ وأشغالٍ فنيةٍ ومجلاتٍ حائطيةٍ وخطابةٍ، والديني وما يشمله من حفظ وتلاوة وتجويد القرآن والأحاديث النبوية وقشور مبسطة للعقيدة

لم نكن نُكمل التراويح لطول وقتها، ولكن كنا نستمتع بتمثيل أداء كل الركعات، وهمساتنا وحركاتنا إلى جوار الأهل أثناء الصلاة حتى يسمحوا لنا بصحبتهم بعد ذلك إن وجدونا نكمل الصلاة دون تململٍ أو شكوى من طولها أو تعب أرجلنا من

أول من علمني تلاوة القرآن. كان مُحفِّظَ القرآن في المسجد القريب من منزلي: مسجد الجمعية الشرعية، الذي تعلقت به منذ طفولتي وقت كنا نذهب لصلاة التراويح في رمضان مع أبي وأمي وجيراننا،

عم (سعيد) المسحراتي وهو يُنادي للسحور مُداعبًا سكان الحي.

‫ - يا حاج محمد، يا هاني، يا عبد السلام… قوم وحِّد الله…‏

‫يا جرجس، يا مرقص، يا وليد، قوم مجِّد سيدك! السحور يا عباااااد الله.

هناك أمهاتٌ كن يطهون النشا بالماء لعمل مادة لاصقة عوضًا عن الغراء أو الصمغ لتوفير ثمنه وإن كان بسيطًا،

ولم أكنْ أتعجب حين أسمع صوت أمي وهي تقولُ حين ينجح أحدنا:

‫ - دستة شمع يا تريزا، دستة شمع يا أم هاشم لما ربنا ينجَّح ولادي.

العباسية فيها من المساجد ما يجعل في كل شارع مسجدًا أو زاويةً، كما تشتهر أيضًا بوجود الكاتدرائية المرقسية العريقة فيها، وكم من مرة حضرنا مع أمي وجيراننا احتفالاتٍ خاصةً بالأعياد أو الزواج فيها،

والله ما طلعتْ شمسٌ ولا غربتْ

‫ إلَّا وحبُّك مقرونٌ بأنفاسِي

‫ ولا خلوتُ إلى قومٍ أحدِّثهم

‫ إلَّا وأنتَ حديثي بين جُلَّاسِي

‫ ولا ذكرتكَ محزونًا ولا فَرِحا

‫ إلَّا وأنتَ بقلبِي بين وسواسي

كنتُ أستعذبُ صوته وأداءه بسببِهِ أحببتُ أبيات الشعر والأناشيد والموشحات وبخاصة الصوفية منها؛ وما تتميز به من موسيقا داخلية للكلمات، كنتُ أذوبُ طربًا بها، أتعايشُ معها كأنها تعزفُ لحنًا بآلاتٍ موسيقيةٍ من نورٍ وأصواتٍ من السماء تحملني معها فوق السحاب

كنتُ أدلل أخي وألعب معه وأقص عليه الحكايات التي كنتُ أحفظها عن ظهر قلب من حكايات جدتي لأمي، وبعض القصص التي أدمنت قراءتها معظم ساعات اليوم في العطلات الدراسية وخلسة أيام الدراسة.

كانت بكل صدقٍ كدولةٍ متكاملةٍ؛ فيها من المدارس والمصالح الحكومية والمستشفيات والمجمَّعات الاستهلاكية والمتنزهات ما جعلها منطقةً حيويةً تفي باحتياجات أهلها

نشأتي في حيِّ العبَّاسية أعتزُّ بها وأجدُ فيها ما يُثري ذاكرتي ويروي حنيني لأيامٍ ولَّتْ ولم يتبَقَّ منها سوى عبقٍ يملأ حواسي كلما جنحت الذكريات إليها وفاحَ عبيرُ المراهقة والصبا منها.

مِن دُون الحُبِّ..

‫ كُلُّ الموسيقا ضَجِيجٌ

‫ كلُّ الرَّقْصِ جُنُونٌ

‫ كُلُّ العِبَادَاتِ عِبْءٌ

‫ (جلالُ الدِّينِ الرُّومِيُّ)

هاتسألني أنا ليه موجودة في مكان زي ده؟ اتعودت السؤال ده، وهارد بنفس الإجابة: قدر… الناصية الجاية دي لو سمحت نزلني، ومتشكرة لك أوي… فرصة سعيدة يا أستاذ شوقي.

‫ - إنتِ عارفة اسمي؟

‫ - سألت ليالي عليه. (مبتسمةً)

هاتسألني أنا ليه موجودة في مكان زي ده؟ اتعودت السؤال ده، وهارد بنفس الإجابة: قدر… الناصية الجاية دي لو سمحت نزلني، ومتشكرة لك أوي… فرصة سعيدة يا أستاذ شوقي.

‫ - إنتِ عارفة اسمي؟

‫ - سألت ليالي عليه. (مبتسمةً)

وقف هنا طيب وانزل، اقعد إنت جنبي، أنا اللي هاسوق ‫ - العفو يا بيه، ما يصحش ‫ - ما يصحش؟! تصدق إنت فيك رقة عن عِفَّت مراتي! ‫ تنطلق منه ضحكات بحجم ألمه ورضاه بحياة فُرِضت عليه خاليةٍ من أهم ما يرجوه دوماً: الحب.

زوجها أبو سنية من يقوم بخدمتها وفي ليلة وهو يعِدُّ العشاء -كان يغلي الحليب له ولزوجته- غافله النوم وفار الحليب، انطفأت الشعلة وتسرب الغاز فاختنق الزوجان ‫ أصابها الوجوم لدقائق، لم تستوعب ما سمعت من البقال، تمنت لو أن صممًا أصابها.