نهاية الوحدة > مراجعات رواية نهاية الوحدة > مراجعة Raeda Niroukh

نهاية الوحدة - بينيدكت ويلز, أحمد صلاح
تحميل الكتاب

نهاية الوحدة

تأليف (تأليف) (ترجمة) 4.3
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

نهاية الوحدة.. موت الذكريات

" يجب أن تتحطم الذات حتى تصبح ذاتا"

كيركيجارد

رجل في الستين من العمر يصعد سلالم " الخانق المائي" ممسكاً بيده رسن كلبه الأبيض الضخم، لست خبيرة بأنواع و سلالات الكلاب، لكن زيارتي هذه لإيطاليا قد تدفعني للبحث عن الموضوع بشكل مفصل… سيدة خمسينية تمشي خلف ذاك الستيني، وكلبها الأسود الصغير يتقدمها، زوجان في الثلاثين من عمرهما، والزوج بحمل كلبه البني بعد أن رفض المضي قدما، عقب ان علقت قدمه بين السلم الخشبي والجدار قرب الشلال.

ذكرتني هذه المشاهد بحديث كونديرا في روايته " كائن لا تحتمل خفته" حين قال ان من يربون الحيوانات الاليفة هم كائنات تبحث عن الحب غير المشروط، تريد من يطيعها، يبادلها الحب، دون ان تضطر للتعامل مع كائن متغير المزاج و الاهواء، له ميوله و متطلباته.

بيد أن للامر وجها اخر، وجه " الوحدة" الحزين، الذي يستجدي رفقة في " كائن ما" أي كائن ، لينهي بها حدة وحشة أيامه.

قالت لي امي ذات يوم:" لو بدك تدعي على عدو .. ادعي عليه بالوحدة"

لا تأتي الوحدة دفعة واحدة، بل على مراحل، تأتي من خيبة استثمار في العلاقات الانسانية في مرحلة ما، من سوء تخطيط للأولويات، من شعور عارم بالاكتفاء بالذات في عمر ما، من الظن الخاطئ ان الكتب او العمل او الموسيقى قد تغني عن رفقة البشر، والتغني المبالغ فيه في فكرة العزلة و الارتماء بين دفتي كتاب، أو من تواجدك بين العشرات ممن لا تجمعك بينهم كلمة صدق، و مشاعر حقيقية.

تأتي الوحدة كوحش يفترس ما تبقى من حسك الانساني بالاخر، من اعتياد الصمت، او الصوت المعلب عبر قنوات اليوتيوب، او الساوند كلاود، أو من ادمان الجلوس لساعات بين أربعة جدران، ورفض لأي مسؤولية يتبعها لقاء حميمي: حب، صداقة، زواج، أبوة، امومة…

في هذه الرواية يروي الكاتب قصته التي تبدو عادية جدا( لا ادري ان كان هناك قصصا عادية و اخرى خارقة فيما يتعلق بحياة البشر، فكل تجربة انسانية هي استثنائية) ، فحياته تغيرت بعد ان خطف الموت والديه بحادث سير ، و هو بعمر العاشرة، ودخل مدرسة داخلية، والتقى ( ألفا) صديقته التي تعرف عليها في عمر الحادية عشر، وما عاناه من تشتت عائلي، بعد ان افترق عن اخته الجامحة( ليز) الهاربة من اي التزم جاد في اي علاقة، ليز التي تخلت عن الوقوف الى جانب الجميع حين احتاجها، ولم تقم ابدا بدور الاخت الكبرى لأخويها ( چول) و ( مارتي) ، بينما اختار مارتي ان يشق طريقه وحيدا ايضا، لكنه غرق في الدراسة و العمل، وتخلى بدوره عن ليز و چول.

قد تبدو احداث الرواية بسيطة، عدا عن موقف الراوي چول غير الأخلاقي، الذي ذكره بدم بارد ، حين وصف دوره في مساعدة زوج حبيبته إلفا، العجوز المصاب بالزهايمر ، اذ اعطاه البندقية لينتحر بها!

وهنا تساءلت: ألم نعتد في قراءة الروايات على البطل الاخلاقي؟ او على الاقل البطل الراوي الذي يعاني عقدة الشعور بالذنب، حين يرتكب جرما؟

لكن ، لماذا غاب هذا التوتر و تأنيب الضمير، ومضى، وكأن حاجة البطل لانهاء حالة وحدته بتواجده مع حبيبته بعد غياب عقود ، قد بررت له المساعدة في انتحار زوجها؟

بالعودة الى عبارة كيركيجارد( يجب ان تتحطم الذات حتى تصبح ذاتا) يمكننا الاشارة الى فلسفة الرواية، التي ترى فيما ورثناه ببساطة من صفات، و ذكريات، واحداث، وعلاقات شكلتنا، ضرورة ان نعيد النظر فيها ، بل و نهدم بعضها، قد نفقد حينها ذاتنا التي نعرفها، لنبني ذاتا جديدة.

وهذه الذات الجديدة عليها ان تعيد التعامل مع الذكريات الماضية.

فعلاقة الذات مع الزمن تتحدد وفق الذكريات، لكن ماذا لو كان الزمن ثابتا؟ اذا لانتفت الذكريات، وانتفى مفهوم الماضي، والحاضر، والمستقبل، ولن تعد هناك حاجة للشعور بالفقد، او الخسارة، او الالم.

لكن نظرتنا للحياة تتشكل من تلك الذكريات، التي قد تعزز شعورنا بالوحدة، حين نقارن ما فقدناه مع ما نمتلكه الان.

قد تكون هذه الرواية صرخة لاعادة النظر في العلاقات في المجتمعات المغرقة في الفردانية، والتي تجد صعوبة في التعبير عن الحاجة لوجود رفيق حقيقي، بعيدا عن مفهوم الحب، رفيق لمواجهة الوحدة، ولاعادة النظر في مفهوم العائلة المتماسكة و الانجاب، والشعور بالالفة برفقة البشر، فلا يمكننا مواجهة الوحدة الا معا.

قد تعبر هذه الرواية ان صح لي التوصيف عن مرحلة سرد ما (بعد بعد الحداثة ) ، اذ يمتلك البطل هنا حلا للمشكلة التي تواجهه، وان جاء الحل متأخرا، و يتجاوز دور البطل المعتاد في روايات( ما بعد الحداثة) البطل المأزوم ، المغترب، المشتت، الذي تسيطر عليه الحيرة، واللايقين، ولا يؤمن بشيء. لكن بطل روايتنا هذه أوجد شيئا ( متعاليا) حسب توصيف ايشلمان، بنى عليه حلا لازمته الوجودية، وكان هذا الحل في ان نكون معا.

#رائدة_نيروخ

#نهاية_الوحدة

#بينيدكت_ويلز

#أبجد

Facebook Twitter Link .
6 يوافقون
اضف تعليق