الأب الغني والأب الفقير > مراجعات كتاب الأب الغني والأب الفقير > مراجعة أحمد فؤاد

الأب الغني والأب الفقير - روبرت كيوساكي, شارون إل. ليشتر
أبلغوني عند توفره

الأب الغني والأب الفقير

تأليف (تأليف) (تأليف) 4.3
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

هناك الكثير من الأمور التي لا نفهمها أو لا نفهم لماذا نقوم بها أو نُقدّر عواقبها، رغم أننا نفعلها كل يوم بشكل روتيني. ينطبق ذلك على كل شيء في حياتنا... وكأننا نقوم بهذه الأمور بقوة خفية رغم أنها قد تدمرنا في نهاية المطاف. فجأة ننتبه إلى عبثية ما نفعله، علاقة صداقة من طرف واحد، علاقة زواج فاشلة، الاستمرار في عمل غير مناسب. يعيش البعض مع أولاده في نفس المنزل ثم يكتشف بعد سنوات أنه لا يعرفهم سوى بشكل سطحي، بينما يفزع البعض الآخر عندما يدرك أن وظيفته قد استنفذت كل طاقته الإيجابية وحوّلته إلى مجرد ترس يسير في آلة لضمان استمرار جلب المال. معظمنا يمر بمثل هذه الاكتشفات المتأخرة وإن كانت تتراوح حدّتها. لكننا جميًعا نأمل أن يحدث ذلك في الوقت المناسب، وقبل أن يفت الأوان.

يأتي كتاب الأب الغني والأب الفقير، كمحاولة للحد من طوفان العالم الاستهلاكي الذي طغى على حياتنا بشكل غير مسبوق. يحاول مؤلف الكتاب الملياردير روبرت تي كيوساكي إصلاح مفاهيم ترسّخت عند أغلب الناس، فرضوا بالعيش داخل حلبة الحياة الكبيرة كمتسابقين أساسيين في سباق الفئران الذي لا ينتهي. ينادي المؤلف بأهمية تأهيل الأطفال بشكل خاص والناس بشكل عام، كي يستطيعون إدراك قيمة الاستثمار بشكل عام سواء كان استثمارًا ماليًا يتمثّل في شراء أصول تدر دخلًا، أو كان الاستثمار في التعلّم فيكون تأهيلًا للعقل لتطوير قدراته.

يرى الكاتب أن أغلب الناس ضحايا للنظام التعليمي، والذي يزرع في الطلاب أو حتى في البالغين أن أهمية الدراسة هو الحصول على وظيفة مناسبة تدر دخلًا محترمًا، وذلك لأن الوظيفة تُمثّل الاستقرار المالي من خلال رواتب ثابتة وأعمال محددة. لكن الواقع يخبرنا بأن هذا وهم كبير خاصة في العصر الحالي خاصة مع زيادة التضخم والاتجاه نحو بداية من الركود الاقتصادي، والذي دفع الكثير من الشركات إلى تقليص العمالة لديهم بالإضافة إلى تخفيض الرواتب، والذي قابله أيضًا إضافة أعباء وظيفية على الموظفين الذين يقاتلون للاحتفاظ بهذه الوظائف. في المقابل لا يقوم النظام التعليمي بتدريب الطلاب بكيفية تطوير قدراتهم المالية، وتعريفهم بكيفية إدارة المال من خلال مفاهيم اقتصادية استثمارية لا تعتمد فقط على طريقة الإدخار، لأنه ليس من المهم مقدار المال الذي نجنيه، بل مقدار المال الذي نحافظ عليه، ويقصد الكاتب بأن نحافظ على المال وليس نحتفظ بالمال. فالاحتفاظ بالمال دون استثمار سيجعله يتناقص تدريجيًا إما بفعل التضخم وازدياد الأسعار أو بدفعنا إلى استهلاكه في التزامات مختلفة.

فيقول مثلًا : "إن أغلب الناس يوظفون الخوف والجشع ضد صالحهم، وذاك هو أول الجهل؛ إذ ينفق أغلب الناس حيواتهم في الركض وراء شيك المرتب، والعلاوات والأمان الوظيفي انطلاقا من عاطفتي الخوف والرغبة، وليس انطلاقا من فهمهم إلى أين يقودهم التفكير الذي تهيمن عليه هاتان العاطفتان، فيشبهون في ذلك الحمار الذي يجر العربة فيما يمد صاحبه قطعة جزر قبالة أنفه. فقد يصل صاحب الحمار إلى المكان الذي يريد الذهاب إليه، فيما يتبع الحمار السراب، ولن يكون في الغد سوى جزرة أخرى للحمار ( يقصد مثال الأرنب والجزرة في ثقافتنا)"

لا ينتبه أغلب الناس أنهم يعملون من أجل المال بدلًا من أن يكون المال هو من يعمل من أجلهم، فيتنازلون عن حرياتهم ويُبخَسون في حقوقهم من أصحاب العمل، لكن رغم ذلك لا يحث الكاتب على أن يترك الناس وظائفهم بشكل كامل، فهناك من يناسبه هذا النوع من الوظائف، وإنما ينشد أن يصبح لدى الناس الوعي الكافي كي يستطيعون استثمار مدخراتهم بدلًا من صرفها في التزامات استهلاكية تجعل منهم يدورون في دائرة مغلقة. لهذا فهو يؤمن بأن أصحاب الطبقة المتوسطة ذات الدخل المتوسط يعانون، لكن معاناتهم ليس حلها هو زيادة دخولهم، لأن كلما زادت دخولهم زادت نفقاتهم بالمقابل، بل أن الحل الوحيد والتوقف عن شراء التزامات، والبدء بشراء أصول لتكون مصدر دخلٍ إضافي ليتكفّل بمصاريف الاتزامات.

يقول الكاتب: إذن ما علاقة هذا بالسؤال: "ما هدفك في الحياة؟". الإجابة تجدها في التصريح البسيط، رغم عمقه، الذي قاله "ثيت نات هانه" رجل الدين الفيتنامي: "الطريق هو الهدف". وبكلمات أخرى، فإن هدفك في الحياة هو عثورك على طريقك. وطريقك ليس هو مهنتك أو قدر المال الذي تربحه أو مسماك الوظيفي أو نجاحك وفشلك. العثور على طريقك يعني أن تعرف الهدف الذي خلقت كي تحققه. ما الهدف من حياتك؟ لماذا وُهبت هدية الحياة؟ وما الهدية التي سوف تردها إلى الحياة؟ شقيقتي تعمل في مجال الأعمال الخيرية، وهذا طريق لا يعود عليها بشيء مادي. وبرغم تقاضيها مبالغ صغيرة فإن هذا لا يعني بالضرورة أن تكون فقيرة. فلديها عقارات مُؤجَّرة واستثمارات في الذهب والفضة. إن قوة روحها وعقلها المُتعلِّم ماليا يسمحان لها باتباع طريق حياتها دون أن تقدم قَسَمًا بالتزامها بالفقر."

لابد من توضيح مفاهيم قواعد لازمة مثل التعرّف على الفرق بين الأصول والالتزامات، وأن تشتري الأصل، كما يتم التشديد على أهمية التحليل المالي وقراءة معنى الأرقام، حتى وإن كانت أرقام مصاريف المنزل. كما يُشدد على أهمية الخبرة اللازمة من أجل الارتقاء بالذكاء المالي، ومن أجل ذلك لابد من التعلّم وقراءة معظم المجالات، وألا يُنظَر إلى مصاريف الدورات التدريبية إلى أنها مصاريف بلا فائدة، بل إن العكس هو الصحيح، فالاستثمار الجيد في المعرفة سينتج عنه مهارة أكبر مما يُمكّن الانسان من اتخاذ قرارات هامة وفريدة.

يخبرنا الكاتب بأن الخوف من الخسارة وقلة الثقة بالنفس هما أكبر عائقان يواجهاننا عندما نحاول أن ننجح في حياتنا، رغم أنه وعلى مر التاريخ لم ينجح أحد لم يفشل من قبل!

وأقتبس من كلماته "لدينا جميعا إمكانات عظيمة، وبوركنا بعطايا شتى، لكن ما يثنينا جميعا عن تحقيق ما نصبو إليه هو درجة ما من درجات الشك في الذات. فليس الافتقار البالغ إلى المعلومات التقنية هو ما يكبلنا، ولكن نقص الثقة بالذات هو ما يفعل ذلك وهو فينا جميعا ولكن على درجات. أدركت أن الخوف الزائد ونقص الثقة بالنفس هما ما يحطان من تفوق المرء, ولكم حطم قلبي رؤية طلبة يعرفون الإجابات، لكنهم يفتقرون إلى الشجاعة في قولها، وفي أغلب الأحيان، ليس الذكي هو من يفوق أقرانه في الحياة الواقعية، بل العنيد منهم هو من يفعل ذلك."

يحثنا الكاتب بأن نتعلّم أهم ثلاث مهارات إدارية نحتاج إليها لنبدأ بها عملنا الخاص وهي:

1. إدارة التدفق النقدي

2. إدارة الأفراد

3. إدارة وقتك

تظهر فكرة العطاء أيضًا عندما أشار إلى أهميته في حياتنا حتى وإن لم ندرك معناه أو عوائده في حينه فيقول:

"أينما شعرت "بافتقارك" إلى شيء ما أو "حاجتك" إليه، فابذل أو أعط غيرك ما أنت بحاجة له، ولسوف يعود إليك أضعافا مضاعفة، وينطبق هذا على المال وعلى الابتسامة وعلى المحبة وعلى الصداقة. وإنني لأعلم أن البذل هو آخر ما يبغيه المرء ساعتها، لكنه ظل دوما الشيء الأنفع معي. وصحيح أنه كانت هناك أوقات بذلت فيها ولم أتلق مردودا، أو اختلف ما تلقيته عما رغبت فيه، ولكن بعد التمعن والاستشفاف، أجد أنني تلقيت ما فيه نفعي وإن لم أعرف ذلك من أول وهلة. كل ما عليك هو أن تكون كريما بما تحوزه يداك، وسيكون الله كريما معك."

إن القرار الرئيس هو في أيدينا نحن، فيجب علينا أن ندرك ونفهم أهمية سرعة التحرك لتغيير مفاهيمنا نحو المال، بالإضافة إلى تغيير عادات أطفالنا والاستهلاكية وتنشأتهم على معرفة مالية كافية كي تُمكّنهم من مواجهة الحياة بشكل أفضل مما نواجهه نحن.

هناك نقطتان أخيرتان أرغب في الإشارة إليهما:

النقطة الأولى وهي أن كل ما قد ذُكر في الكتاب ليس بالضرورة أن يناسبنا بشكل كامل، لكن هناك الكثير من الأفكار الجوهرية التي لا يمكن تجاهلها بل ينبغي أن نرسخها في أذهاننا قدر المستطاع.

النقطة الثانية وهي أن هناك من انتقد الكاتب لسببين، الأول لأنه لاحقًا اعترف بأن شخصية الأب الغني ليست حقيقية وأنه قد أضافها لاستثارة حماس القُرّاء وبهذا يكون قد كذب عليهم وبأن الكتاب به جزء Fiction غير حقيقي رغم أن المفترض أن الكتاب سيرة ذاتية، وهذا في الحقيقة لا يهمني لأن المهم بالنسبة لي هو مضمون الكتاب. أما السبب الثاني فلأن الكاتب قد أفلست شركته منذ بضعة سنوات، وبهذا يكون قد فقد مصداقية نصيحته، وهذه النقطة تحديدًا أجد فيها تجنّيًا على الكاتب بل وأرى بعض الجهل ممن يفكرون بهذه الطريقة، ذلك لأن الكتاب بالأساس تم نشره منذ حوالي تسع سنوات، أما المشكلة المالية التي واجهت شركته كانت منذ ثلاث سنوات فقط، والكاتب ذكر في الكتاب أكثر من مرة أنه أفلس في الكثير من المرات من قبل لكنه في كل مرة يقف من جديد. ومجرد قدرته هذه على النهوض من بعد كل فشل لهو أمر يجربنا على احترام تجربته. فتحليلي بأنه حتى وإن واجهت شركته الإفلاس فذلك بسبب خيار خاطئ لمرة واحدة وسط مئات الخيارات الناجحة التي درّت عليه الملايين. ولا أستطيع أن أوجّه اللوم إلى شخص يحاول أن ينجح فيخفق مرة وينجح مرات، وأنا أقف خائفًا من مجرد التجربة.

وأنهي مراجعتي عن الكتاب باقتباس ملهم للكاتب

"فمع كل ورقة دولار تمسك بها بيدك، يُضْحي بوسعك - وبوسعك أنت وحدك - أن تحدد طريقك، فإن بعثرتها بحماقة فقد اخترت طريق الفقر والعوز، وإن أنفقتها على حيازة الخصوم وسددت التزاماتك فقد اخترت أن تنضم إلى أفراد الطبقة الوسطى. وأما إن استثمرتها في عقلك وفي تعلم اقتناء الأصول التي تدر لك الدخل فقد وضعت الثروة هدفا لك ولمستقبلك، والخيار إنما هو لك، ولك وحدك."

تقييمي للكتاب 4 من 5

Facebook Twitter Link .
2 يوافقون
اضف تعليق