بالرغم من أن قصر الشوق هي الرواية الثانية في ثلاثية نجيب محفوظ الرائعة لكن قراءتها سببت لي بعض الارتباك بسبب توقعاتي المسبقة أو بالأحرى أمنياتي بأن أجد نفس الاسلوب الذي أمتعني في الرواية الأولى بين القصرين. ما حدث هو أني دخلت نفس العالم المحيط بالسيد أحمد عبدالجواد لكن هذه المرة من بعد أكبر عن السابق تتوسع فيه رقعة عالم الرواية. لم يعد الوصف الدقيق للمشاعر موجوداً في هذه الرواية وأصبحت الافكار تجريدية تتسامى عن الأمثلة المادية وخاصة في الهالة الروحانية التي يعيش فيها كمال أصغر أبناء سي السيد.
لم يعد البيت الكبير هو قطب الاحداث بل قد لا يكاد يرى في هذا الجزء وكأنه مات مع فهمي فلا يذكر إلا لماما. في هذا الجزء يقودنا كمال إلى الأزبكية والأهرام ويأخذنا سي السيد إلى العوامات على النيل وكذلك يفعل ياسين عندما ينتقل إلى بيته في قصر الشوق. مسارح الاحداث تتعدد في هذا الجزء ولم يعد سي السيد هو السيد الاوحد للأحداث وبيته الكبير هو المسرح الأهم. في هذا الجزء يتهدم الكثير من جبروت السيد أحمد وتتزلزل دنياه وهو يخسر المعارك الواحدة تلو الأخرى. لا هو بقي الآمر المرعب في بيته ولا هو استطاع النجاة من السقوط بقلبه أمام العشق قبل أن يسقط بباقي مرضه أمام الأمراض والضغط. انشبت الحياة بضراوتها مخالب حادة في ظهر سي السيد ابقته في تساؤل متكرر عن ما يبغي عليه ومالا ينبغي فعله.
استغرقت بعض الوقت للتخلي عن توقعاتي المسبقة لما يجب أن تكون عليه هذه الرواية وبعدها تغير شعوري بخيبة الأمل وعدم الرضى إلى الرجوع إلى الاستمتاع التام بروعة الكتابة وعظمة الحبكة وجمال القصة المكتوبة.