مذكرات حرب اكتوبر > مراجعات كتاب مذكرات حرب اكتوبر > مراجعة محمد عبداللطيف

مذكرات حرب اكتوبر - سعد الدين الشاذلي
أبلغوني عند توفره

مذكرات حرب اكتوبر

تأليف (تأليف) 4.5
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

مع حلول الذكري الـ 41 لحرب السادس من أكتوبر لعام 1973 , و بعيدا عن الإحتفالات الإستهلاكية للنظام و الإعلام المصري من تنظيم عروض عسكرية جوفاء أو إستضافة عدد من ما يسمي ( الخبراء الإسترتيجين ) أو عرض مستمر ومتكرر لأفلام هزيلة مثل الرصاصة لا تزال في جيبي أو الطريق إلي إيلات , قررت أن أحيي ذكري الحرب هذا العام بطريقة جديدة و فعاله بأن أبدأ بالقراءة عن أسرار الحرب و ملابساتها من كتب و مذكرات لرجال كانو داخل المطبخ السياسي و العسكري وقتها و شاهدوا الأحداث بعينهم و عاصروها , و ليس بالهراء الذي يحكيه هؤلاء ( اللاخبراء و اللاإستراتجيين ) , و لم أتردد في إختيار مذكرات الفريق سعدالدين الشاذلي – رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية وقت الحرب – لأبدأ بها.

أحب أن أؤكد في بداية هذا التقرير أنني من محبي القراءة في كتب التاريخ , و مؤمن بشدة أن من لا يعرف تاريخه و تاريخ من حوله جيدا لن يستطيع أن يبني مستقبل , و لن يتعلم أبدا من أخطاء من سبقوه لأنه ببساطة شديدة لن يكون علي علم بهذه الأخطاء و سيسير في نفس الطريق و سيرتكب نفس الأخطاء.

بعد قراءة هذا الكتاب و غيره من كتب التاريخ السياسي بالذات , لم يعد هناك ذرة من شك أن كل التاريخ الذي يتم تدريسه للطلبة في المدارس و الجامعات و الذي يروج له الإعلام الرسمي و حتي الإعلام الخاص المرتبط بالنظام ليس إلا هراء محض و مسلسل تزوير من حلقات متعددة و متكررة , و لا يزال العرض فيها مستمر حتي الآن و سيستمر إلي ماشاء الله.

مثل هذه الكتب مهمة جدا و تساعد بشكل كبير في إعطاء صورة حقيقية و واقعية عن كيفية إدارة السلطة في مصر و كيفية إتخاذ القرارات المهمة و المصيرية التي يتعلق بها مصير شعب كبير التعداد كالشعب المصري و تؤثر بشكل كبير في بقية شعوب المنطقة العربية , خاصة فيما يتعلق بالجانبين السياسي و العسكري منها , و ذلك بعيدا عن الصورة الغارقة في المثالية و الرومانسية التي يصدرها لنا النظام و إعلامه و أجهزته الأمنية من خلال أعمال روائية و قصصية و سينمائية و تلفزيونية بالتعاون مع كتاب و روائيين و مخرجين معروفين من أمثال نبيل فاروق و صالح مرسي و غيرهما يكون مطلوب منهم المساهمة في غسيل عقول الشعب و بخاصة الشباب منهم و المراهقين و ترسيخ في ذهنهم صورة خيالية عن المؤسسات الأمنية و العسكرية و بطولاتها التي تكون في كثير من الأحيان ملفقة و مختلقة ( كمثال أسطورة ظابط المخابرات المصري الذي قدمه نبيل فاروق في سلسلة رجل المستحيل و مازال يصر علي أنه شخصية حقيقية ) و في آحيان آخري مبالغ فيها بشدة ( كمثال كلا من رأفت الهجان و جمعه الشوان و حتي المبالغه بشدة في نتائج حرب أكتوبر و عدم ذكر أو عدم التركيز علي خسائر مصر فيها و النتيجة النهائية للحرب عند قرار وقف إطلاق النار ), و هي الصورة التي في الحقيقة تكون بعيدة تمام البعد عن الحقيقة و عن الواقع البائس و المؤسف كشتي بقية المجالات المتدهورة في بلادنا المتأخرة.

أول مرة أعرف أن من إصطلح الإعلام المصري دائما علي تسميتهم الخبراء السوفييت – الذين إتخذ السادات قرار بطرهم إبان الأزمة الشهيرة – كانوا في حقيقة الأمر وحدات مقاتلة من سلاح الدفاع الجوي السوفييتي و معهم ما يقارب الـ 100 طيار مقاتل و موجهين أرضيين و أطقم مساعدة و وحدات للحرب الإلكترونية الخاصة بالتشويش في عدد تجاوز الـ 7700 فرد إجمالا لم يكن منهم من الخبراء و المستشارين فعليا إلا عدد ألف فقط و الباقي وحدات عسكرية صرفة , و بعد قرار الطرد الشهير , ونظرا لقلة عدد الطيارين المصريين المدربين ( علي عكس ما إنتشر في الإعلام المزيف أيضا بأن حسني مبارك عندما كان مدير للكلية الجوية بعد هزيمة 1967 إستطاع في زمن قياسي تخريج 3 دفعات من الطيارين الأكفاء و الجاهزين وهو ما ثبت طبعا أنه كلام مصاطب ) إستعاضت مصر عنهم جزئيا بعدد 30 طيار مقاتل من كوريا الشمالية إشتركوا في الدفاع عن سماء مصر ضد الطائرات الإسرائيلية و إشتركوا أيضا في الحرب نفسها ضد إسرائيل.

و أيضا الكلام الكثير و المتوارد بشدة عن الجسر الجوي الأمريكي الذي أمد إسرائيل بكل ما تحتاجه من أسلحة و ذخائر و قطع غيار و معدات صيانه فور بدء الحرب , في حين أن الإعلام لم يأت علي ذكر الجسر الجوي السوفييتي الذي أقيم لمد مصر و سوريا أيضا بأسلحة و ذخائر , لاشك أن الجسر الأمريكي لإسرائيل كان أقوي و أكثر كفاءة من الجسر السوفييتي – قدره الفريق سعدالدين بـ 6 أضعاف و نص – إلا أنه كان عدم ذكر هذا – بالتأكيد – بأوامر مباشرة أو غير مباشرة ممن له مصلحة في هذا الأمر و هو بالتأكيد هنا القيادة السياسية التي كان من مصلحتها إلقاء اللوم علي قبولها بشروط الإسرائليين المهينة و المخزية في مفاوضات فض الإشتباك الأول في يناير 1974 علي قول السادات الشهير ( أنا مقدرش أحارب أمريكا ) و كأنه عندما قرر الهجوم علي القوات الإسرائيلية لم يكن يعرف أن أمريكا ستهب لنجدتها بكمل قوتها و بأقصي سرعه !!

هجوم متوقع و شديد جدا من الفريق سعدالدين علي الرئيس السادات و إتهام صريح بالفساد و الكذب و التدليس و الخداع و إساءة إستخدام السطات و سوء تقدير الأمور المصيرية و إتخاذ قرارت كارثية هددت أمن مصر كلها و هو ما كان متوقع بطبيعه الحال للخلاف الشديد بين الرجلين , و إذا أثبت التاريخ أو أي تحقيق حيادي و عادل و منصف صدق المعلومات التي أدلي بها في كتابه حيال ما يتعلق بتطوير الهجوم يوم 14 أكتوبر و ثغرة الدفرسوار و حصار الجيش الثالث , سيكون له كامل الحق في كل هذه الإتهامات بدون أية مبالغه , و لكن يحضرني هنا نقطتين , الأولي أني أحي الفريق سعدالدين عند تحليله للأسباب التي في إعتقاده أدت بالسادات إلي التدخل في عمل العسكريين بشكل فج و إتخاذ هذه القرارت التي أدت في النهاية إلي نتائج كارثية لم ينجرف مع التيار الذي إتهم الرئيس السادات بأنه كان عميلا للمخابرات الأمريكية و كان يقبض منها راتب شهري بإنتظام لأني أري أن هذا إتهام خزعبلي و مريض , النقطة الثانية أنه ذكر بأن السادات كان يعاني من امراض نفسية و عصبية هي التي أثرت علي تفكيره و إتخاذه قرارات خاطئة و هي نقطة أراها سقطة تؤخذ عليه لأنها – حتي لو كانت صحيحة و لو بشكل جزئي و هو ما لم يثبت فعليا -ستجعل الخصومة بينهما تأخذ الطابع الشخصي أكثر منها الطابع المهني أو الوطني , و هو ما أري أنه لم يكن له داع علي الإطلاق.

كعادة كل العسكريين , يعتبر الفريق سعدالدين ما حدث في مصر في 23 يوليو 1952 ثورة قامت بها تنظيم الظباط الأحرار و ساندها الشعب , في حين أن حقيقة هذه الأحداث تثبت أنها كانت إنقلاب عسكري محض من مجموعه من صغار الظباط علي قياداتهم إنتهت – نتيجة لظروف كثيرة ليس هذا مجال ذكرها – إلي خلع الحاكم و تغيير نظام الحكم كله و مؤسساته , و أن إعتبار ما حدث ثورة يدخل في نطاق تزوير التاريخ الذي إشتكي منه كثيرا الفريق سعدالدين نفسه في كتابه هذا.

الأسباب التي ذكرها الفريق سعدالدين لقبوله منصب سفير مصر في لندن بعد رفضه مرتين – بعد عزله و إنهاء خدمته بالقوات المسلحة – في رأيي أسباب واهية جدا , خصوصا أن هذا العرض آتي من السادات , الرجل الذي يعتبره الشاذلي مسئولا مباشرا عن حدوث الثغرة و حصار الجيش الثالث و بالتالي إنتهاء العمليات الحربية و القوات المصرية في هذا الوضع المخزي و المؤسف بعد أن كانت في أوضاع أفضل كثيرا حتي تاريخ 13 أكتوبر قبل قرار تطوير الهجوم إلي المضائق , خصوصا بعد أن تبين له خداع السادات له لإرغامه علي قبول هذا المنصب لضمان إبعاده من مصر , صراحة لم يقنعني إطلاقا و شعرت أن حتي كلماته لم تكن بنفس القوة و الثقة التي كان يتكلم بها في باقي الكتاب , قد يكون له أسبابه الخاصة بقبول هذا المنصب و هذا حقه بالطبع , و لكن ما ليس من حقه هو محاولة إيهام القارئ بغير هذا.

نقطة سلبية آخري عن الكتاب و هي أنه يبدو في موقع كثيرة إنتقائيا للغاية و حتي من نفس الشخص , و هي مشكلة كبيرة لاحظت أنها تواجه كل من يوضع في موقف يضطر فيه للدفاع عن نفسه بشدة و بشراسة , و علي سبيل المثال يستشهد بالكاتب محمد حسنين هيكل في بعض المواضع التي كان يفيده فيها هجومه علي السادات – وطبعا معروف مدي كره هيكل للسادات – و في موضع آخر حين تكلم هيكل عن وثيقة التكليف التي صدرت من السادات للقوات المسلحة بالحرب و ذكر فيها تطوير الهجوم حتي المضائق – وهي الوثيقة التي إستشهد بها المشير عبدالغني الجمسي ( رئيس هيئة العمليات وقت الحرب ) في مذكراته عن الحرب – قال أن هذه الوثيقة مزورة بدون أن يبين من زورها و متي و كيف أو يوضع دليل واحد علي صحة إدعائه بتزويرها , وكل ما ذكره في هذا الصدد مجرد قرائن و إستنتاجات بدون دليل واضح وز دامغ لا يقبل التشكيك فيه.

إجمالا , الكتاب دسم للغاية و علي قدر هائل من الأهمية و يحكي بالتفاصيل الصغيرة كل شيئ عن ملابسات الحرب , و أعتقد أن أهم ما في الكتاب أنه أجاب عن سؤال في منتهي الأهمية : إذا كانت مصر إنتصرت في الحرب بهذا الشكل الساحق علي إسرائيل , فكيف طلب السادات وقف إطلاق النار يوم 22 أكتوبر بعد أن رفضه مرتين قبل هذا التاريخ ؟! و كيف قبلت مصر وقف إطلاق النار بشرط إسرائيل و هو ألا تنسحب من سنتيمتر واحد من غرب القناة ؟! و كيف وافقت مصر علي كل شروط إسرائيل لفض الإشتباك الأول في يناير 1974 و هي شروط مجحفة و مهينة و مذلة للجانب المصري ؟! و كيف وافقت مصر علي توقيع معاهدة السلام في كامب ديفيد بهذه الشروط المجحفة و جعل سيناء بكل مساحتها الكبيرة منزوعة من سلاح الجيش المصري ؟!

هذا الكتاب يجيب عن كل هذه التساؤلات بشكل منطقي.

تعديل :

قرأت جزء من كتاب (المعارك الحربية على الجبهة المصرية) لجمال حماد , الذي يؤكد فيه أنه بعد بحث و تمحيص كبير تأكد و بالوثائق و السجلات من أن الشاذلي لم يتوجه لقيادة الجيش الثاني إلا يوم 18 أكتوبر و مكث هناك 44 ساعه و عاد بعدها إلي مقر مركز العمليات في القاهرة , و يؤكد علي كذب السادات بشأن زعمه أن الشاذلي ذهب إلي الجبهة يوم 16 أكتوبر عندما كانت الثغرة في بدايتها و كان مازال يمكن التعامل معها بشكل أيسر , كما يؤكد أيضا علي صحة كلام الشاذلي من أن معظم القادة العسكريين عارضوا و بشدة قرار السادات بتطوير الهجوم نحو المضائق يوم 14 أكتوبر , و هو القرار الذي تسبب في كل النكبات المتتالية بعدها , و أيضا يذكر اللواء جمال حماد أن رغبة الشاذلي في سحب 4 ألوية مدرعة من شرق القناة إلي غربها للتعامل مع القوات الإسرائيلية الموجودة بالثغرة كان سليم من الناحية التكتيكية , إلا أنه غير عملي من الناحية الواقعيةي , كما قرأت أيضا جزء من مذكرات المشير عبدالغني الجمسي الذي يؤكد فيه أن الشاذلي لم يعد من الجبهة منهارة كما زعم السادات بعد ذلك في محاولة منه لإخلاء مسئوليته عن حدوث الثغرة و إلقاء اللوم كله علي الشاذلي في الفشل من التعامل مع الثغرة , و كنتيجة مبدأية لهذا أعتقد أنني أقرب لتصديق رواية الشاذلي عما حدث .

Facebook Twitter Link .
0 يوافقون
اضف تعليق