" فما هذا إذن ؟ هذا ليس كتابا ُ ، هو تشهير ، افتراء ، تشويه سمعة ، هذا ليس كتابا ، ليس بالمعنى العادي للكلمة ، لا هو اهانة مطولة ، بصقة على وجه الفن "
من داخل الحوت إذن (حسب جورج أورويل) ، ومن خارج كل ما هو مألوف ، يأتيك صوت بلا إحتيال ودون الإختباء خلف الأهداف الأخلاقية ، صوت خالي من الأكاذيب والتبسيطات المعتادة ومن الأساليب المنمقة .
كتاب يجمع توافه الامور بشكلها الطبيعي وقذارتها الإعتيادية ، بسرد فاتن وجميل يقوم بالكشف ليس عن الامور الغريبة ولكن الاعتيادية ومن هنا تأتي قيمة هذا الكتاب !!
" ثمة أمر واحد أحد يثير اهتمامي بحيوية ، وهو أن أسجل كل ما حذفته الكتب "
في خلفية السرد السريع والمتتابع الذي اعتمده هنري ميللر حضرت على شكل مباغت في ذهني عدة روايات كنت قد قرأتها على فترات متتابعة ( الجوع – كنوت هامسون ) ، ( خريف البطريرك- ماركيز ) و (أدب رخيص – بوكوفسكي ) ، في الأولى والثالثة وجدت مبررا ضعيفا لهذا الحضور المباغت في بعض اوجه التشابه بينها وبين الرواية التي بين أيدينا ، ففي الجوع ثمة ذلك الكاتب المتشرد الذي لا يجد قوت يومه وفي أدب رخيص تجد تشابه في االلغة والعبارات المستخدمة الى حد ما ، اما عن رواية ماركيز فما أدري لأي سبب كان حضورها المباغت الى الذهن .
دعك مما حضر في ذهني أثناء قراءة الرواية ، وتأمل في هنري ميللر مستلقياً ببساطة تاركاً الأشياء تحدث له ، متفادياً كل المواقف ، حيث لا يحاول دفع مسير العالم الى الأمام ولا يحاول سحبه الى الخلف وفي نفس الوقت لا يتجاهله بأي شكل من الأشكال .
يؤمن بالخراب الوشيك إلا انه لا يشعر أن هناك ما يستدعيه لفعل أي شئ حيال ذلك ، " انه يعبث بينما روما تحترق " .!
" الطقس سيستمر على ردائته ، سيقع الكثير من الكوارث ، المزيد من الموت ، المزيد من اليأس ، وليس ثمة بارقة أمل في حدوث أي تغير في أي مكان ، البطل ليس الزمن ، بل اللازمن ، يجب أن تتخذ خطوة ، خطوة الختام ، نحو سجن الموت ، لا مفر فالطقس لن يتغير "
في باطن الحوت إذن ( حسب جورج اوريل ) " موقف من اللامبالاة التامة ، أياً كان ما سيحدث ، العاصفة التي قد تغرق كل البوارج في العالم ستصلك كصدى بالكاد ، لن تكون على الأرجح قادرا على ادراك تحركات الحوت ذاته ، ربما كان يتمرغ بين أمواج سطح البحر أو ينطلق مسرعاً الى عتمة البحار الوسطى ، لكنك لن تميز الاختلاف أبداً ، بعيد جدا من أن تكون ميت ، هذه هي المرحلة النهائية التي لا تضاهى من اللا مبالاة "
من داخل الحوت ومن خارج ما هو مألوف يرسل هنري ميللر تحياته ... عبر هذا كتاب غير السياسي ، غير التقليدي ، غير الموضوعي ، وغير التقدمي وغير التعاوني وغير الأخلاقي وغير المبدئي والذي يستحق القراءة !!
" ماذا تظنوني
أمهرجاً مستأجراُ مطلوب مني أن أمثل كل صباح مهزلة فكرية تحت انوفكم البلهاء ؟!
أنا رجل حر ... وبحاجة الى حريتي ... بحاجة الى وحدتي ، بحاجة الى التأمل في عاري ويأسي في معتزلي .
أحتاج الى أشعة الشمس وحجارة رصف الشوارع بلا رفاق .
لا ادين بشئ لأي انسان ، لست مسؤولاُ إلا أمام الله وحده – إذا كان موجوداً "