هكذا كانت الوحدة > مراجعات رواية هكذا كانت الوحدة > مراجعة أحمد المغازي

هكذا كانت الوحدة - خوان خوسيه مياس, ناريمان الشاملي
أبلغوني عند توفره

هكذا كانت الوحدة

تأليف (تأليف) (ترجمة) 3.8
أبلغوني عند توفره
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
3

الرواية مقسمة لجزئين يقع كل منهما في حوالي مائة صفحة، لم يعجبني الجزء الأول منها كثيرا، لا يمكنني أن أصفه بالملل نظرا لقصره وكثرة أحداثه، لكنني لم أستطع الاندماج فيه، البرودة المخيمة على هذا الجزء من الرواية –وربما كانت الوحدة- حالت بيني وبين الاستمتاع به.

في هذا الجزء نتعرف على الشخصية الرئيسية في الرواية إيلينا وعالمها المكون من زوجها إنريكي المناضل الثوري السابق ورجل الأعمال –المشبوهة- الحالي، وأمها التي تبدأ الرواية بموتها ثم نبدأ في التعرف عليها تدريجيا من خلال ذكريات إيلينا عنها ومذكراتها التي تعثر عليها بالصدفة والتي كتبتها عندما كانت في نفس عمر إيلينا –أربعون عاما- وأخيها وأختها اللذان يحضران للتجهيز للجنازة لنكتشف مدي الجفاء المسيطر على علاقتها بهم، نفس الجفاء الذي كان بينها وبين أمها، وهو نفسه الحاصل بينها وبين إبنتها الشابة التي تعرف أخبارها بالصدفة.

الجفاء هو عنوان هذا الجزء من الرواية، الجفاء الذي تعاني منه إيلينا في كل علاقاتها مع زوجها وإبنتها وإخوتها وحتى أمها الرحلة، وهو ما تهرب منه إيلينا بتدخين الحشيش طوال الوقت هربا من واقعها الكئيب وحياتها الخاوية.

ثم يأتي الحدث الرئيسي في الرواية عندما تستأجر إيلينا مخبرا خاصا-دون الإفصاح له عن شخصيتها- لمراقبة زوجها وموافاتها بتقارير عن تحركاته بهدف التأكد من خيانته لها، وهو ما لا يشكل لها مفاجأة على الإطلاق نظرا لتيقنها منه ولعدم إكتراثها به من الأساس، لكنه الفضول والملل –وربما كانت الوحدة- هو ما دفعها لاتخاذ هذه الخطوة.

تأتي نقطة التحول في موقفي من الرواية وبداية إندماجي وإستمتاعي بها مع بداية الجزء الثاني –أنهيته في جلسة واحدة- عندما تقرر إيلينا تغيير مهمة المخبر الخاص من مراقبة زوجها لمراقبتها هي شخصيا –دون أن يعرف أنها نفسها صاحبة الطلب- وإرسال تقارير مفصلة لها عن كل تحركاتها وسكناتها مع رؤيته الذاتية وتحليله الشخصي لها –بناء على طلبها- وهو مايقبله المخبر رغم منافاته لطبيعة مهماته التقليدية، وتدريجيا تتحول تقارير المراقبة هذه إلى الدافع الرئيسي لإيلينا للحياة، وللتغيير، وللبحث عن مخرج من حالة البؤس والخواء –وربما كانت الوحدة- المسيطرة على حياتها.

تستهويني كثيرا فكرة الخروج من الجسد، مراقبة النفس بعين محايدة -عين الناظر- ومعرفة كيف تبدوا حياتنا من بعيد، كيف يرانا الآخرون أو يتصورنا أو يقيموننا.

معرفة الإجابة عن تساؤلات مثل كيف أبدوا في هذه اللحظة أو هذا الموقف: وسيما؟ سخيفا؟ واثقا؟ خائفا؟ حزينا؟ لطيفا؟ لا مبالي؟ متحققا؟ وحيدا؟

على الجانب الآخر تتحول إيلينا بالنسبة للمخبر من مجرد "هدف" مطلوب مراقبته إلى إنسانة من لحم ودم، إنسانة ضعيفة –وحيدة- ضائعة بحاجة للمساعدة، لمساعدته هو شخصيا،تدفعه لإعادة إكتشاف نفسه، تدفعه للتوقفه عن لعب دور المخبر ولعب دور المُخًلٍص أو الملاك الحارس، وهو مايتحقق بالفعل في نهاية الرواية، النهاية التي أسعدتني كثيرا في الحقيقة.

فكرة شديدة الألمعية أيضا هي فكرة المُراقِب والمُراقَب، هذه العلاقة الغريبة المعقدة، والاحتمالات العديدة وغير المتوقعة التي قد تَنتُج عنها، هذه الفكرة التي صادفتها من قبل في فيلمين أعجباني كثيرا، -والاثنين مقتبسين عن روايات أدبية أيضا- وهما "نهاية العلاقة" أو “The end of the affair” المقتبس عن رواية الكاتب الإنجليزي جراهام جرين، و "عين الناظر" أو “Eye of the beholder” المقتبس عن رواية الكاتب الأمريكي مارك بيم، في الحالتين كان هناك مخبر مكلف بمراقبة هدف معين، وفي الحالتين تطورت عملية المراقبة لعملية إرتباط روحي ومعنوي بين المُراقِب والمُراقَب، حتى لو لم يلتقيا قط!

نجح خوان خوسيه مياس في أن ينتزع تعاطفي مع بطلته، ورغم البداية غير المبشرة للرواية في جزئها الأول -التي ساهم فيها جفاف الأسلوب الذي لا أعرف إن كان مسئولية المترجمة أو ربما كان مقصودا من الكاتب كمحاولة لنقل حالة الوحدة والجفاف العاطفي التي تعاني منها البطلة- إلا أنه عوض هذا في جزءها الثاني بالفكرة والمعالجة المميزة والنهاية المُرضية.

وختاما فإن تقييمي الجزء الأول كان بنجمتين، والثاني بأربعة، وهكذا كانت الثلاثة!

- أدين بالشكر للصديقة هبة غانم لتشجيعيها على قراءة هذه الرواية المميزة :)

Facebook Twitter Link .
6 يوافقون
3 تعليقات