ذات > مراجعات رواية ذات > مراجعة أمل لذيذ

ذات - صنع الله إبراهيم
تحميل الكتاب

ذات

تأليف (تأليف) 3.7
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
0

كتاب (ذات) يشمل بين طياتة رائعة الكاتب المتميز صنع الله إبراهيم ،فهذه الرواية جمعت المعهود و الغير معهود في بوحها للأحداث ، و إنتشلت أوجاع المظلومين و صرحت بها ،و إفترشت صفحاتها حروف تنهدات و صرخات من ضاقت بهم السبل،و تعددت قسمات المحن التي غصت بها فصولها لنرى تشابه بين المحن التي تظهر لنا مختلفة، فهناك دائما محركات جديدة تتلاعب بالوقائع و محركات قديمة تعود بطريقة مفاجئة لتفرض سلطتها ،فهي رواية تنتفض فيها الأزمات بكل أنواعها و تتداخل لدرجة يصعب فيها فصلها عن بعضها البعض !

رواية (ذات) هي كعملة بوجهين ،الوجه الأول هو (الكتابة) ،و هو الجانب المكتوب بوضوح و يسر حول إنسانة بسيطة إسمها (ذات) ،و هي تبدو لنا في بداية الحكاية كفتاة عادية تسعى مع من إختارته زوجا لخوض غمار الحياة،فهي أرادت أن تحصل على حياة أفضل من التي عرفتها في صغرها و بالطبع حياة أفضل لصغارها،و معها نعيش أجواء المعيشة و الطموحات في زمن الرؤوساء جمال عبدالناصر و أنور السادات و حسني مبارك ،و في كل مرحلة رئاسية نلمح طريقة تفكير (ذات) و المبادئ التي إنتهجتها ،و (ذات) لا تناقشنا في ذلك سياسيا بقدر ما نعاصر معها ما تم من خلال نافذة إمرأة مصرية في تلك الأوقات و قد غطت ستائرها بالإنسانية،فهي إنسانة إمتحنتها الأيام في أحلامها و في زواجها و في أطفالها و في صداقاتها و في صحتها و في عملها، و كأن الحياة بالنسبة لها عبارة عن سلسلة إختبارات مستمرة و كل إختبار يقويها و في الوقت نفسه يستنزف منها طاقة كبيرة،هي محاربة هادئة في حياتها ، محاربة لتعيش اليوم كما هو ،محاربة ليتحقق و لو جزء قليل مما أرادته لنفسها و لعائلتها ،محاربة في قتال متواصل لتستمر في تضحياتها،و في الفترة التي أخذت فيها لذاتها إستراحة محارب لتفكر في نفسها ،نجدها تسأل تلك النفس عن كينونتها و عن مرادها ،فهي أرادت أن تعرف ما هي ذاتها !

و الوجه الآخر للعملة هو (الملك)،و الملكة هنا هي مصر ،فذات في مواقع كثيرة في الرواية كانت تتنفس بأنفاس بلدها،فكانت تعبر عن تلك البلد بعيون محبة ،عيون إشتهت أن ترى موطنها أجمل و أحسن في كل حقبة سياسية و رئاسية مرت عليها،عيون شهدت على فوارق فكرية و ثقافية و سياسية كان من المفروض أن تغني البلد و أن تطورها لا أن تفرق المنتسبين لها و للوطن،فالأزمات المجتمعية تضاعفت و الأحوال الإقتصادية إنتكست و الإنقسامات السياسية تزايدت ،هموم المواطن العادي الغير طالب للكثير أصبحت همومه وحده،و الأرق اليومي الذي كان يعيشه لتوفير إحتياجاته الأساسية بات أرقه وحده،و تأثيرات حسراته عليه و على أسرته كان شأن يخصه وحده،فالمواطن هو مسؤول نفسه ،هو وجد نفسه في ذلك الوضع دون أي تفويض أوكل إليه،و مع ذلك فهو ليس بيده سوى الموافقة،و في الأزمنة المتلاحقة وضع المواطن لا يتحسن و إنما يجد بأن زمام تحسين معيشته قد وكل إليه ، سلم هذا الزمام مع نقصان صلاحياته و أوكل لمواطن هو يعلن عجزه بنفسه ،و إذا بقضية الهجرة تهل علينا و نتساءل مع الكاتب إذا كانت هي الحل المنشود ،فإذا بالهجرة لها توابع حميدة و لها توابع و خيمة، و هي تبدو لنا كقضية قومية و إقتصادية، و أيضا تمر علينا قضية لا زالت آثارها يحكى عنها و هي قضية شركات إستثمار الأموال آنذاك ، و هذه القضية و إن كان طابع فسادها مالي أوليا و لكن لاحقا سنلحظ بأن الفساد كان ايضا سياسيا و إعلاميا و حتى التستر بالدين للخداع !

أما طريقة التعامل مع هذه الأحداث الكثيرة و قيمتها الرمزية و الفعلية ،فكاتت كالتالي و هي عرض فصل روائي حول (ذات) الإنسانة ثم عرض مقتطفات أخبار صحفية هامة في تلك الأوقات ،فالفصل الروائي يتكامل و يلتحم مع الصفحات الإخبارية ، و هذه الصفحات الإخبارية و إن كانت تبدو بإنها عشوائية أو حتى متناثرة سنكتشف بإنها مختارة بمنتهى الدقة و العناية،فهي إختيرت لترسم ملامح زمن الأحداث الروائية و لتشرح لنا مسببات تلك الأحداث الرئيسة و لنعرف تأثيراتها على أبطال الرواية،و أيضا تم إختيار تلك العناوين الإخبارية لإن لها مضمون مستقل من حيث تبيين ما حصل لذات الوطن، و لتحقيق تسلسل زمني يعلل لنا القرارات التي تمت ، و لتوثيق وقائع مهمة للغاية في تاريخ مصر منذ ظهورها الأول و حتى تحولها لوقائع شدت أنظار المصريين و شعوب العالم أيضا ،و أيضا هناك جانب السخرية ،فالترابط المحكم في نشر الأحداث كأخبار يلقي أضواء قوية على تناقض بعض الشخوص ذات الشأن الكبير آنذاك، فمنهم من غيروا الآراء التي أدلوا بها سابقا ، و منهم من تنصلوا من أفعالهم مع أن صورهم تشهد عليهم،و منهم خانتهم كلماتهم و هكذا ،و هنا تذكرت طريقة عرض المقدم باسم يوسف لبرنامجه الساخر (البرنامج) ، فهو قام بتوثيق وقائع تمت في مصر في السنوات الأخيرة و نشرها عبر قناته في يوتيوب و من ثم في برنامجه التلفزيوني،و هو أيضا ركز على المفارقات في التصريحات التي أدلى بها عدد من المسؤولين و حتى الأفراد العاديين ،و كذلك قام بالرجوع للوقائع حسب تحركها الزمني و الوقتي ، أما نقطة الإختلاف بين أسلوب برنامج (البرنامج) و رواية(ذات) فهي نقطة التعليق ، فالمقدم باسم يوسف بين الحين و الآخر كان يعلق على ما قام بعرضه ،أما الأديب صنع الله إبراهيم فكان يكتفي بالعرض ،و بالرغم من ذلك فإن ضحكات أديبنا الساخرة و الدامعة كانت تصلنا ،فهنا السخرية قاتلة لإنها تؤجج الألم و تضحك عليه !

رواية (ذات) للكاتب صنع الله إبراهيم ،فيها إمرأة سلمها الروائي صوته و قص عليها محن وطنه ،فسلمها بذلك أمانة كبرى ،وهي أن تحفظ ذاكرتها تلك الحكايات بكل ما فيها و بكل تفاصيلها لتنقلها للأجيال القادمة،هي عليها أن تحكي عن ذاتها و ذات وطنها!

Facebook Twitter Link .
1 يوافقون
اضف تعليق