رواية مذهلة و لو لم يكتب نجيب حفوظ غيرها لاستحق عنها جائزة نوبل بجدارة, تتجلى عبقرية السرد عند نجيب محفوظ فى قدرته على التكثيف و كيفية استعراض احداث مائتى عام من عمر الوطن من خلال ما يقرب من مائة من الشخصيات وكل ذلك فى مئتى صفحة فقط لا غير !!
كيفية تلخيصه لحياة الانسان فى صفحتين او ثلاثة تدعو الى التفكير و التدبر فى معانى الحياة و الموت و ان ما يبقى من الانسان فى النهاية هى سيرته و على اى حال ستكون ذكراه, و كيف يحدد مسار حياتنا مجموعة من الصدف و الاحداث القدرية التى تقلب احوال البشر من حال الى حال.
من اجمل ما فى الرواية ايضا بيان الوجوه المختلفة للحقيقة, و ان تقييم الحدث الواحد يختلف من حيث موقعنا الشخصى منه من حيث النفع او الضرر,و ذلك من خلال استعراضه للحقب السياسية التى مرت على مصر و تاثيراتها الاجتماعية و الاقتصادية على ابطال الرواية صعودا و هبوطا و موقفهم منها بناء على ذلك.
الرواية تمثل قمة نضج نجيب محفوظ كروائى قدير, حيث استعرض عضلاته فى كتابتها من خلال التكنيك المعقد جدا الذى استخدمه فيها, حيث استخدم طريقة الترتيب الابجدى للشخصيات بغض النظر عن الترتيب الزمنى, على ما فى هذا الاسلوب من ارهاق للكاتب و المتلقى, حيث يتطلب تركيزا شديدا حتى لا تتوه الاحداث و العلاقات بين الشخصيات, الا ان قراءة هذه الرواية تمثل متعة ذهنية حيث انها اشبه ما تكون باللوحة المكتملة فى ذهن صاحبها الا اننا نراها خطوطا مبعثرة و كلما توغلت فيها اتضحت الصورة شيئا فشيئا و بان جمالها حتى تكتمل فى النهاىة لوحة بديعة تسر النظرين !!
اما بالنسبة للمسلسل فقد شاهدته قبل قرائة الرواية و اعترف اننى احببته, و بعد القراءة ازداد تقديرى للسيناريست البارع الذى تمكن من صياغته بهذا الشكل الجميل, الا اننى احببت الرواية اكثر, و خصوصا لعدم قدرة المسلسل على تغطية كل هذه الفترة الزمنية و لا تناول كل هذه الشخصيات, حيث ان هذا كان يتطلب عملا ملحميا من خمسة اجزاء كليالى الحلمية مثلا !!
و النهاية هذا عمل لا غنى عن قرائته لكل عشاق ادب نجيب محفوظ حيث انه يمثل خلاصة تجربته الادبية و الحياتية, و يعد درة التاج لانتاجه الادبى الغزير و الفريد.