أمل دنقل: الأعمال الكاملة > مراجعات كتاب أمل دنقل: الأعمال الكاملة > مراجعة مروه عاصم سلامة

أمل دنقل: الأعمال الكاملة - أمل دنقل
تحميل الكتاب

أمل دنقل: الأعمال الكاملة

تأليف (تأليف) 4.4
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
4

منذ عامين و أنا أتردد على معهد الأورام مرة كل شهر ، ولا يزيد عمر زيارتي عن عشر دقائق أشتري خلالها لي ولزميلاتي بالعمل ما يستقطع من الأجساد المريضة وأمضي ...أمضي بحقيبة ملئى بكل أنواع الأنسجة السرطانية ، وعند عودتي أهب كل امرء بغيته ..فهذه طلبت عينات لأورام اللسان والأخرى لها سرطانات الأنسجة السنية ولي سرطانات الغدد اللعابية ... وعبثاً أحاول طمس صورة (تاجر الشنطة) من مخيلتي وأنا أقوم بذلك.

كنت أعلم أني لو ارتقيت طابقاً او طابقين لأتأمل آلام المرضى لارتقى معها هدف زيارتي .. ولصرت في عين الله أجمل ..ولكني أبداً لم أفعل...بيد أني التهمت دواوين أمل دنقل كلها ..أنهيتها بيومي سهر .. فملأتني بخواطر الموت والمرض وكأني فجأة صعدت الطابقين فلقد أمضى الأربعة أعوام الأخيرة من عمره بالغرفة 8 من معهد الأورام ، نظم خلالها ديوانه الأخير ((أوراق الغرفة 8))... ورسمت قصائده في عقلي مشاهد متتالية زمنها أواخر السيتينات وأوائل السبيعنات ومكانها الأسكندرية ، وفي منتصف الديوان الأول قررت أن ألتقط من رمل القصيد لفظة (الموت) .. كانت بطلة كل المشاهد ، ودائما تبدوجميلة كمثل : (( القناديل تموت، كتاب الموت، ميتة عصرية ، الموت في لوحات، العالم في قلبي مات، صديقي الذي غاص في البحر مات، أقضم الموت ، الموت في الفراش، أصبح الموت عدلاً، قنبلة الموت، قراصنة الموت، زمن الموت، مات أبي نازفاً، السكون المميت، خط استواء الموت ، طائر الموت ، هوة الموت، الموت يهب، كان حبي يموت، مات اللذين يسألون، مات فيه الموت يوماً))... يا الله كيف بدا له الموت شهياً لهذه الدرجة؟؟ كان يشير إليه بلفظة الموت صريحة بدواوين ما قبل المرض .. أما في الديوان الأخير فلقد صار يوحي به كأن يقول (( هوة الصمت ، نهر السكون، السقوط الأخير)) وكأن الموت أصبح قريباً بما يكفي لكي لا ينادى باسمه مجردا!!

- ستجد أمل دنقل يؤرخ كل قصيدة ..ولا أدري كيف ينسى بعض الشعراء هذه اللمسة الحميمة فهي تمنح القصيدة شهادة ميلاد ويبدو الشاعر حينها كأب التقط صورة لطفله حديث الولادة ليجتر الذكرى متى شاء..

- لي جدار في قلبي من الداخل ، أنتقي من القصائد ما أشاء وأزينه بها ، وكلما أدمتني بمساميرها أطربتني... وانتقيت من أمل دنقل قصيدة ((العار الذي نتقيه)) مزجها بأسطورة ((أوديب)) ذلك الطفل الذي حمل اللعنة في أقداره فألقاه أبوه مكبل القدمين في الصحراء علّه يموت فلم يمت..وتحققت نبؤة قدره فانتحرت أمه حزنا وقتل أبوه خطئا وعاش بائساً لأنه كان قاتل أمه وأبيه... وكان استخدام أمل دنقل لها مرهفاً على عكس استخدام ((فرويد )) المريض لنفس القصة كاسم لإحدى نظرياته النفسية.

- وعند (( يوميات كهل صغير السن )) استوقفني المقطع الثامن ذو البيت الوحيد .. يقول فيه:

حين تكونين معي أنتِ....أصبح وحدي في بيتي

وتسألت : من الغبية التي تطمح بغزل أعذب من هذا؟؟؟

- أما قصيدة ((أيلول)) الملحمية فلم ينقصها إلا أن تكون أبياتها أكثر وأن يكون عمر (منصور الرحباني ) أطول ... ولصار لها جمال مسرحية (أيام سقراط الأخيرة ) أو مسرحية (زنوبيا) ..

- ستجد أيضا مزجا مدهشاً للشخصيات التاريخية والشعر كزرقاء اليمامة والمتنبي وأبي موسى الأشعري ...فقط لم ترقني منها قصيدة (حوار مع ابن نوح) فلقد جعله رمزاً لمن اختار أن يقف بوجه الطوفان من أجل إنقاذ الوطن ولم يفر بالسفينة إلى شاطئ الأمان ، ولا يستحق ابن نوح وهو((عمل غير صالح)) كما قال الله سبحانه لمثل هذا الارتقاء الشعري ...أما أقربها إلى قلبي حينما تحدث عن حزن أم الشهيد وكأنها الخنساء أو أسماء بنت أبي بكر مع ولدها عبد الله ابن الزبير ابن العوام الذي لم يكتفي الحجاج بقتله بل تركه معلقا بأستار الكعبة .. فيقول امل دنقل:

وأمي التي تظل في فناء البيت منكبة

مقروحة العينين مسترسلة الرثاء

رأيتها: الخنساء

ترثي شبابها المستشهدين في الصحراء

رأيتها : أسماء

تبكي ابنها المقتول في الكعبة

رأيتها : شجرة الدر

ترد خلفها الباب على جثمان نجم الدين

تعلق صدرها على الطعنة والسكين

فالجند في الدلتا

ليس لهم أن ينظروا إلى الوراء

أو يدفنوا الموتى

- وكذلك اقتباسه لمقالة خالد ابن الوليد رضي الله عنه الأخيرة :

أموت في الفراش مثلما تموت العير

أموت والنفير

يدق في دمشق

أموت في الشارع، في العطور والأزياء

أموت والأعداء

تدوس وجه الحق

وما بجسمي موضع إلا وفيه طعنة برمح

إلا وفيه جرح

إذن..(فلا نامت أعين الجبناء)

- كانت روحي لهفى على شئ من رثاء النفس و جلد الذات ، وكنت أعلم أني سأجدهما عند أمل دنقل ..غير أني وجدت ما هو أبعد من ذلك ولا أدري كيف أصفه ! .. لك أن تقول هو صدق المحتضر أو كما يقول محمود درويش ((هي حكمة المحكوم عليه بالإعدام)). رحمهما الله وغفر لهما.

Facebook Twitter Link .
4 يوافقون
4 تعليقات