الضوء الأزرق > مراجعات كتاب الضوء الأزرق > مراجعة إسراء مقيدم

الضوء الأزرق - حسين البرغوثي, محمود درويش
تحميل الكتاب

الضوء الأزرق

تأليف (تأليف) (تقديم) 4.1
تحميل الكتاب
هل قرأت الكتاب؟
  • قرأته
  • أقرؤه

    الى أين وصلت في القراءة؟

  • سأقرؤه

    هل بدأت بالقراءة؟نعم


لا يوجد صوره
5

جرت العادة أن تكون السيرة الذاتية توثيقاً سردياً لتجربة الكاتب الشخصية,سرداً متواصلاً لكل ما ألمّ به صاحب السيرة من تجارب وخبرات,هكذا جرت العادة..

الأمر الذي يبدو لي عبثياً تماما,عبث جدير بأن يُروى على مسمع أعضاء مجموعات العلاج كبديلللمنومات..فربما يقف الجميع على نفس السلم الموسيقي ولكن لكلِ نغمته ودرجته الخاصة,ومن ثم ,فالتعرض لأغنيات الآخرين السابقة هو محض نشاز.

أما هنا,فلا يوجد أي من هذا,لا توجد تجربة ذاتية أخرى مملة,ولا توجد آفة حوارية بين مجموعة شخصيات يفترض بها أن تلّقنك حكمة ُ ما,هنا تجد غرباءً تألفهم وتألف جنونهم لأنه جنونك أنت الآخر,تراهم في ثلاثة أماكن مفضلة لصاحب السيرة (المفارقة _والذكاء أيضاً_أن يتم تقسيم العمل كتابياً لثلاث فصول,كل فصل يُعد تنويعاً على أحد الأماكنالتي يرتادها الكاتب باستمرار)..هنا تجد الغريب يحمل جنونه وأفكاره الهشة في رأسه,يجول بهما,في المدينة الغريبة.

القمر الأزرق

يقولون في بوذية التبت؛أن الأزرق هو لون أول كائن فاض عن طبيعتنا الأولى,التي لا لون لها.الأزرق هو لون طاقة الخلق فينا.يقال أيضاً أن الأزرق لون إلهي مرتبط بالبحر والسماء,أما عند الفرس؛فإن للإله عدو أزرق هو أهرومان..فالأزرق إبليسي المعنى..أما في الشعر؛فيقول شاعرُ ما أن الكدمات في الجسم ما هي إلا ابتسامات لم تجد سبيلها للخروج..

كلها تأويلات منطقية لماهية الجنون الذي يدفعنا للحياة في الهوامش المظللة بالخوف ,فالبشر نوعان,نوع خائف من الجنون يتشبث بالعقلانية,ونوع آخر عاقل يتشبث بالجنون,والكل يريد النجاة من ضوءه الأزرق,ربما الجنون ليس في دواخلنا,ربما في خراب علاقتنا بالحياة,ربما علينا أن نتوقف عن الحياة داخل أنفسنا لبرهة,أن نقلع عن ارتياد زوايا العقل التي لا تناسب أفكارنا الهشة,وأن نسكن الفراغ في المنتصف ,أن نتبني نظرة دائرية للجنون,أن نطرق الحياة من الباب الخلفي أحيانا كي نتخلص من ثقافة الوحدة,ربما حينئذٍ؛سنتوقف عن التشبه بالنخلة الغريبة التي سُميت هكذا لأنها كانت الأولى من نوعها في أراضي الأندلس.

الغريب في اللفظ اللغوي لكلمة وحدة؛أنها تحمل معنيَيْن,الأول ,وهو الوحدة بمفهومها المتعارف عليه,والآخر والمناقض تماماً هو معنى الوحدة كإسم من جنس الاتحاد..units ..

ومجموعات متشابهة تماماً تكون في شكل وحدات صغيرة!

إن كان الأمر هكذا وكانت كل الأشياء تحمل أكثر من معنى في آنٍ واحد..فلربما باجتماع أكثر من غريب في نفس المكان ,لكف الغرباء عن كونهم غرباءً,ولأصبحت الأرض هي الغريبة

ربما لو كان بإمكاننا أن نطرق الحياة من بابها الخلفي..لاتخذ الجنون الأزرق بعداً آخر..

سينماتك الوهم العظيم

الفهم,سمكتك الذهبية.من طبيعتها أن تسبح في كل تجربة,كل رأي,كل نوع من المعرفة,وتبقى هي سمكة ذهبية.إن من طبيعة الذهن أن يفهم نفسه كما أن من طبيعة السمكة أن تسبح.

أما العقل؛فإنه الشلال والسمكة التي تسبح في الشلال,يسبح في نفسه,ويسبح في كل شيء..كن سمكة وكن شلالاً

هكذا يقول بري,وبري لفظ مشتق من باري,المأخوذ بدوره عن كلمة "بارىء"..لا أميل لفكرة إسقاط شخصية بري على الإله هاهنا,ربما لأن الألوهية ترتبط بالعقل دائماً,وبري لا يزال في البرزخ بين العقل والجنون,لا يتخطى ذلك السياج أبداًهو أول مجنون يدرك ماهية الوهم,وفي الوقت ذاته يدرك الوضوح,يرى العمق بنفس الوضوح الذي يرى به سطح الأشياء,دون أية عوامل تشويش,يدرك عيوب الذاكرة المثقوبة ولكنه يدرك أيضاً أهمية افراغها من محتواها,فكل مايعرفه العقل لا شيء مقارنةً بما يمكن معرفته..هناك كلمات تملأ الذهن وكلمات أخرى تفرغه من محتواه..وقيمة الذهن في ممكناته وليس "ما فيه".

أتذكر الآن مشهد النهاية في فيلم "سماء الفانيليا" عندما أدرك أحد الأبطال أنه مجرد صورة رقمية تُستخدم في برنامج ترفييهي للأحلام يعتمد على ذكريات المتطوعين,وقتها صاح بغضب أن كل هذا هراء لا يمكن أن يكون واقعاً

ذكرني هذا الرجل ببري,الفرق أن بري يسمح للواقع أن ينزلق بين أصابعه,يمثل ببساطة كل مايمكن أن نكونه فقط لو كففنا عن ترميم ثقوب ذاكراتنا وسمحنا لخيباتنا الصفيرة أن تتسرب منها

مقهى المخرج الأخير

يسأل حسين :ما رأيك فيما يعتقد أن العقل لغز لا يراه أحد؟

فيجيب بري ببساطة :لا تصدق مفاتيحهم!

لابد من خيال واسع في عالم ضيق,لابد من أسئلة كي توجد الإجابات,أعلم ان الحياة بوابتان,بوابة للدخول وأخرى للخروج,ولكن مذا إن كانت كل بوابات الخروج تؤدي للحياة,يخيّل إلي أحياناًأننا لا نزال حتى الآن في طور الوقوف على عتبة الحياة,في انتظار الدخول لحياة أكثر شمولية,الأمر الذي قد يبدو كارثياً لوهلة,ولكن ماهي أسوأ الاحتمالات؟عمق الغناء يأتي من عمق الوجع..كما يأتي الضحك من المتاهات.

الأمر كله متعلق بالخفة,أن تعتاد الانزلاق في اللاشيء,أن تصبح انت الفراغ في الناي لا الناي ذاته,وأن تتفق مع حقيقةأن الواقع دائرياً بما لا يترك أية زاوية للاختباء.

تنتهي السيرة وتُخلف وراءها الجنون والكثير من الأسئلة..فقط يبقى صوت حسين عالقاً بأذنك قائلاً:ابق فوق الخط..ابق فوق الخط.

ــــ

أعطني من فضلك , ماذا؟ قناعا آخر , قناعا ثانيا..طوبى للمجاذيب

Facebook Twitter Link .
6 يوافقون
4 تعليقات